اشتباكات لاسعانود تهدد المستقبل السياسي لـ"صوماليلاند"

اشتباكات لاسعانود تهدد المستقبل السياسي لـ"صوماليلاند"

09 فبراير 2023
مواطنون قرب مجسم "الاستقلال" في هرجيسا، سبتمبر 2021 (Getty)
+ الخط -

تشهد مدينة لاسعانود في إقليم سول في "جمهورية أرض الصومال" (صوماليلاند) الانفصالية غير المعترف بها دولياً، مواجهات متقطعة بين مسلحين من عشيرة طلبهنتي والقوات المحلية، وذلك بعد مقتل 34 شخصاً، وإصابة نحو 40، في مواجهات مسلحة الإثنين الماضي، فيما نقلت وكالة "رويترز" عن طبيبين الثلاثاء الماضي إشارتهما إلى مقتل 24 وإصابة 53 في تواصل الاشتباكات.

ولا تزال حكومة الرئيس موسى بيحي عبدي تتمسك بنشر القوات الأمنية في المدينة، وذلك على الرغم من تفجر احتجاجات، أواخر العام الماضي، رافضة لوجودها.

عبدالله راغي: جذور الصراع تتعلق بسياسات الإقصاء التي تتبناها أرض الصومال تجاه عشيرة طلبهنتي

وكان زعماء عشيرة طلبهنتي، التي تقطن ثلاثة أقاليم في ولايتي بونتلاند و"أرض الصومال"، وهي سول وسناغ وعين، أعلنوا، في بيان الإثنين الماضي، بعد اجتماعات استمرت شهراً في لاسعانود، اندماجهم في الحكومة الفيدرالية، وأن "مناطق العشيرة لم تعد جزءاً من صوماليلاند".

وأشاروا إلى أن هذا القرار جاء عقب ما وصفوه بـ"سياسات تطهير" مارستها السلطات لأكثر من 15 سنة ضد سكان لاسعانود. وأوضح البيان أن "مسألة الانفصال عن الصومال من قبل السلطات في أرض الصومال تمت دون الحصول على موافقة عشيرة طلبهنتي، ولا يوجد اتفاق سياسي بين العشيرة والإدارة الحاكمة في هرجيسا لضرب وحدة الصومال".

وفي حين دعا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في تصريح مسجل بثته وسائل الإعلام المحلية، إلى الهدوء، فقد اعتبر أن "ما تشهده المدينة (لاسعانود) من أحداث عنف ليس مرتبطاً بمشاكل اجتماعية بل نابع من أزمات سياسية، ونحث الأطراف الفاعلة على حل الأمور العالقة بالحوار وليس عبر السلاح".

وشدد على "ضرورة الاستجابة لمطالب سكان المدينة، والتي يكمن حلها بالتفاوض وليس من خلال توجيه السلاح ضدهم. وندعو كافة الأطراف إلى احترام مطالب السكان". وأكد أن "الحكومة الفيدرالية مستعدة لدعم وتشجيع عملية الحوار والسلام بين سكان المدينة وحكومة أرض الصومال".

ودعا "العلماء وشيوخ العشائر إلى المساهمة في وقف أعمال العنف، وجلوس وجهاء العشيرة (طلبهنتي) وحكومة أرض الصومال حول طاولة حوار لإنهاء العنف".

كما شدد وزير الداخلية في الحكومة الصومالية، أحمد معلم فقي، في مؤتمر صحافي في مقديشو الثلاثاء الماضي، على أنه لا يمكن حل الأزمة السياسية بقوة السلاح، مشيراً إلى أن "الحكومة الفيدرالية ترحب بمطالب سكان مدينة لاسعانود للانضمام إلى الحكومة المركزية في مقديشو".

كذلك دعت مجموعة سفراء وبعثات دبلوماسية ومنظمات دولية وإقليمية في مقديشو، في بيانات، أطراف النزاع في لاسعانود إلى وقف الاقتتال، وحل الخلافات بالحوار والمفاوضات، إلى جانب ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتأثرين بالمواجهات المسلحة في المدينة.

اتهام حكومة "أرض الصومال" بالإقصاء

وقال الباحث الصومالي عبدالله راغي، لـ"العربي الجديد"، إن "جذور الصراع تتعلق بسياسات الإقصاء التي تتبناها أرض الصومال تجاه العشيرة، ثم محاولات سلب أقاليم سول وسناغ وعين إرادتهم السياسية، حيث مارس النظام في صوماليلاند، منذ تسعينيات القرن الماضي، عملية إقصاء ممنهج ضد طلبهنتي، بدءاً بالسياسات التي اعتمدتها حكومة محمد إبراهيم عقال (أول رئيس لأرض الصومال عام 1993)"، مشيراً إلى أن العشيرة لم تشارك في الاستفتاء الذي أجري على الدستور في العام 2001.

واعتبر راغي أن السلطات في هرجيسا دأبت على عرقلة أي جهود محلية في لاسعانود لفرض النظام في المدينة، بينها رفضها مشروعا لإقامة نظام فيدرالي تحت اسم "خاتمو".

وأشار إلى أن الخلاف بلغ ذروته عندما نقض عبدي الاتفاق السياسي الموقع مع عشيرة طلبهنتي، والذي كان ينص على تقاسم السلطة في مناطقها، وتشكيل نظام يستجيب لمطالب سكان لاسعانود. وأضاف: "لذلك يمكن القول إن صوماليلاند لا تريد من هذه المناطق سوى أن تدين لها بالولاء، دون إشراك المواطنين في هذه المناطق في الحياة السياسية بشكل فعَّال".

وقال راغي إن "ما يجري حالياً في لاسعانود دليل واضح على محاولات صوماليلاند المتكررة لعدم الاستجابة سلمياً لمطالب أبناء هذه المناطق، حيث ترغب العشيرة في إخراج قوات صوماليلاند من مناطقها، وهو ما ترفضه السلطات. كما أن قرار قيادات المنطقة الإعلان عن الانضمام إلى حكومة مقديشو ورفضهم البقاء تحت سلطة إدارة هرجيسا يعبر عن رغبتهم في الحفاظ على وحدة الصومال، وفتح قنوات تواصل مباشرة مع الحكومة الفيدرالية قبل الإعلان عن تشكيل ولاية فيدرالية جديدة في الأقاليم التي تنتشر فيها عشيرة طلبهنتي".

محمد محمود حسن: عدم انسحاب القوات الأمنية من مناطق التوتر قد يغلق كافة قنوات الحوار بين الطرفين

ورأى مراقبون أن إعلان عشيرة طلبهنتي الانفصال عن إدارة "صوماليلاند" والاندماج مع الصومال، يؤثر سلباً على مستقبل الكيان السياسي في هرجيسا، الذي كان يسعى لنيل الاعتراف من المجتمع الدولي، بذريعة أن أرض الصومال كانت مستعمرة بريطانية وأن لديها أرضية جغرافية اختارت الانفصال عن الصومال، وهذا هو السبب وراء بذل السلطات جهوداً جبارة لمنع إعلان ولاية فيدرالية في أقاليم سول وسناغ وعين تابعة لحكومة مقديشو.

واعتبر راغي أنه سيكون لهذا الصراع تأثير كبير مستقبلاً على الخريطة السياسية والجغرافية في القرن الأفريقي ككل، و"صوماليلاند" خاصة، مشيراً إلى أن تفجير أي حرب بين السكان في سول وسناغ وعين، وبين قوات هرجيسا سيبدد سردية المظلومية التي بُنيت عليها "صوماليلاند"، بعد تعرض هرجيسا وضواحيها إلى قصف جوي من قبل الجيش الصومالي إبان الحكم العسكري في 1988، كما سيبخر آمال السلطات بإحياء حدود المنطقة الجغرافية التي كانت تستعمرها بريطانيا من شمال "صوماليلاند" إلى جنوبها، ويفشل ادعاءات هرجيسا باستعادة دولة كانت قائمة على حدود كانت معروفة قبل الوحدة مع الصومال في العام 1960.

استمرار المناوشات بسبب غياب الحل السياسي

أما الباحث في مركز هرجيسا للبحوث والدراسات محمد محمود حسن فقال، لـ"العربي الجديد"، إن استمرار المناوشات والاقتتال في المنطقة يأتي جراء غياب الحل السياسي وعدم وجود أرضية خصبة للحوار، بالإضافة إلى ممارسة الحكومة سياسة تخوين أبناء عشيرة طلبهنتي.

وعن تأثير قرارات زعماء العشيرة في لاسعانود بفك ارتباط مناطقهم بالسلطات، فقد قلل حسن من هذا الأمر، مشيراً إلى أن القيادات العسكرية والاقتصادية في العشيرة لم تظهر أي رد فعل على هذا الأمر، ما يترك باب الحوار مفتوحاً بين السلطات وأطراف فاعلة في "طلبهنتي".

إلا أنه رأى أن عدم انسحاب القوات الأمنية من مناطق التوتر قد يغلق كافة قنوات الحوار بين الطرفين، خصوصاً أن قيادات عشيرة طلبهنتي ليست ملزمة بتطبيق القرارات التي تصدرها هرجيسا.