استقالة كونتي تثير قلق أوروبا... واليمين المتطرف يراقب

استقالة كونتي تثير قلق أوروبا... واليمين المتطرف والفاشيون يراقبون

27 يناير 2021
هل ينجح كونتي في مهمة تشكيل حكومة جديدة؟ (Getty)
+ الخط -

جاء إعلان رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، عن استقالته، أمس الثلاثاء، ليضع حداً للمطبات السياسية والحزبية التي استمرت خلال الأيام العشرة الماضية في بلد بدأ يرسل موجة مخاوف لأوروبا.

كونتي الذي نجح في المحافظة على ثقة البرلمان بغرفتيه، بعد تصويتين لحجب الثقة عنه، بعد انسحاب حزب "تحيا إيطاليا" من حكومته، بزعامة رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي، (زعيم سابق للاجتماعي الديمقراطي الحاكم حتى 2018)، وجد نفسه في حكومة ضعيفة، ما اضطره ظهر أمس الثلاثاء إلى تقديم استقالته للرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، الذي طالبه بمحاولة البحث عن ائتلاف حكومي آخر خلال 48 ساعة.

وانفجرت أزمة حكومة كونتي، خلال الأسبوع الماضي، على خلفية خلافات عميقة بين الأطراف السياسية حول طريقة صرف روما للمساعدات الأوروبية لمواجهة جائحة كورونا، واستعادة الاقتصاد الإيطالي لقوته، وهو البلد الثالث في منطقة اليورو، بمبلغ يصل إلى نحو 209 مليارات يورو، على شكل منح وقروض ميسرة، ولمنع انهيار إيطاليا.

خطة الإنعاش التي قدمتها حكومة كونتي للحصول على أموال من بروكسل، تشمل إدخال إصلاحات على اقتصاد البلاد، لكنها لم تلقَ موافقة الحليف الصغير "تحيا إيطاليا"، ولم ترقَ لليمين المتشدد في "ليغا" (الرابطة) بزعامة ماتيو سالفيني، لأسباب سياسية، وهو المتأهب للدخول مجدداً على خط الحكم، بعد خروجه قبل نحو عام ونصف العام.

فعلى الرغم من أنّ الموارد الأوروبية التي قرّرتها بروكسل، العام الماضي، تنتظر الخطة الإيطالية لتمرير المبالغ، فإنّ كونتي تعرّض لانتقادات عنيفة بتركيزه على مجالات التحول الأخضر وإصلاح البنية التحتية، كتحسين خطوط السكك الحديدية من شمال البلاد إلى جنوبها، وتحسين جودة الرقمنة والاتصالات وشبكة الهواتف والإنترنت.

منتقدو كونتي المحليون يرونها "خطة شاملة وكبيرة على البلد"، سواء من رينزي (المتحول من يسار الوسط إلى الليبرالية، بحزبه الجديد "تحيا إيطاليا") أو من قبل سالفيني الذي يرى أنّ الذهاب إلى انتخابات مبكرة في مصلحة حزبه وحليفه في الحركة الفاشية "إخوة إيطاليا"، حيث تعطيهما الاستطلاعات الأخيرة تأييد ما نسبته 40%، وهو ما يقلق الأوروبيين، وخصوصاً أنهم يرون في خطط كونتي للإنعاش الاقتصادي فرصة لجعل إيطاليا أكثر مرونة وقدرة على المنافسة وجذب الاستثمارات وإنقاذ الاقتصاد من الانهيار.

إيطاليا تعيش وضعاً صعباً، فهذه هي المرة الثالثة منذ 2018 التي تتغير فيها التحالفات وتركيبة الحكم. وراهن رئيس الحكومة، المستقل حزبياً، كونتي، مع حليفه في حركة "5 نجوم"، على إخراج البلد من أزمته بتلقيه المليارات الأوروبية للتعافي (بحصوله على ربع ما خصصه الاتحاد الأوروبي لإنعاش اقتصاديات دوله المتأثرة بالجائحة).

وإلى جانب ذلك، فإن الاهتمام الأوروبي بالوضع الإيطالي يأتي أيضاً على خلفية توقعات بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10.5% لبقية العام الحالي 2021، وبسبب أن الديون تثقل كاهل البلاد، وتتجاوز نسبة الدين العام ديون أثينا، مع خشية من سيناريو الإفلاس اليوناني، ما سيضعف اليورو ويؤثر سلباً على بقية الاقتصادات الأوروبية.

فبرلين التي ساهمت بالضغط لتقديم أكبر حزمة مالية لروما، تشعر بقلق تجاه نشوء فوضى سياسية وإمكانية إفلاس إيطاليا في وقت حرج بانعكاسات سلبية على الاتحاد الأوروبي بعد الخروج البريطاني وتعثر دول أخرى، خصوصاً في جنوب القارة. فساسة عاصمة الاتحاد الأوروبي كانوا ينتظرون من روما تقديم خطتها للإنعاش من أجل إفراج سريع عن الأموال المخصصة لذلك، وبدلاً من هذا، ها هي روما تدخل مرة أخرى نفق الأزمات السياسية (المرافقة لحكومات البلد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط الفاشية فيه).

وقال رئيس "معهد والتر يوكين في فرايبورغ" والمستشار الاقتصادي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لارس فيلد، أمس الثلاثاء، في تصريحات نقلتها الصحافة الإيطالية والأوروبية، إنّ "ما يفعله الإيطاليون غير مقبول، ويأتي في وقت حرج، وعليهم أن تكون أولوياتهم أي شيء سوى خلق أزمة سياسية".

تعبير فيلد عن إحباطه يعكس إحباطات أخرى في أوروبا، "فأي فشل في روما يعني جرّ كلّ منطقة اليورو إلى ذات الفشل".

وصحيح أنّ الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، منح جوزيبي كونتي فرصة يومين تنتهي يوم الخميس (28 يناير/كانون الثاني الحالي) للبحث عن قاعدة برلمانية تمكنه من الاستمرار بحكومة جديدة، وبالأخص المراهنة على الجمع بين مقربيه من حركة "5 نجوم" و"الحزب الديمقراطي"، إلا أنّ الاحتمالات الضعيفة تقلق مسؤولين في المفوضية الأوروبية. وجاء ذلك على لسان مفوض الميزانيات النمساوي يوهانس هان، في مؤتمر صحافي، عصر أمس الثلاثاء، اعتبر فيه أنه "من المؤسف ما يجري في إيطاليا، فذلك ليس سلوكاً مسؤولاً".

هذا الفشل الإيطالي في الاتفاق على مشروع الإنقاذ الاقتصادي يعني من ناحية أخرى تعمق الأزمة المالية، والذهاب نحو مزيد من التأزم السياسي في غياب إفراج الاتحاد الأوروبي عن الحزمة المالية، التي يخشى ساسة بروكسل أن يعني تحويلها إلى حكومة تعاني أزمات سياسية، ضياع الهدف منها.

الصحافة الإيطالية ومحللو الشؤون الحزبية والسياسية يرون أن الأزمة التي عصفت بحكومة كونتي هي أزمة سياسية أكثر من كونها اختلافا على مشاريع الإنعاش. ويشير هؤلاء إلى مراهنات زعيم "ليغا" المتشدد، ووزير داخلية كونتي السابق، ماتيو سالفيني، مع شريكته في المعارضة، زعيمة الحركة الفاشية "إخوة إيطاليا"، جورجيا ميلوني، على فشل كونتي في تأمين قاعدة برلمانية، والذهاب بالتالي إلى انتخابات مبكرة تبدو في مصلحتهما، لناحية استطلاعات الرأي التي تمنحهما مجتمعين حوالي 40% من الدعم الشعبي، في ظل قانون الانتخابات الحالي، مع خسارة واضحة ليسار الوسط، وخصوصاً إذا لم يقدم "الديمقراطي" و"تحيا إيطاليا" الدعم البرلماني لحكومة كونتي.

وعلى الرغم من ذلك، أمام الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، في حال فشل كونتي في تأمين تلك القاعدة لاستمرار حكومته، الحق في تكليف شخصية مستقلة من التكنوقراط لتشكيل حكومة أخرى، بدل الذهاب لانتخابات مبكرة، يراهن عليها اليمين المتطرف، في ظل الجائحة والأزمات المالية التي تضع روما على حافة انهيار اقتصادي. وربما تكون المصلحة الأوروبية، بعد تجارب سابقة مع اليمين المتشدد الذي يعارض أصلاً وجود بلادهم في عضوية الاتحاد الأوروبي، في خيار تكليف شخص آخر، إذا فشل كونتي في تأمين قاعدة برلمانية للاستمرار ولو بحكومة مصغرة.