اجتماعات البرلمان الصيني: خفض التوترات للتعافي من كورونا

اجتماعات البرلمان الصيني: خفض التوترات للتعافي من كورونا

04 مارس 2023
يعتبر اجتماع البرلمان من أهم الأحداث الصينية (ليو راميريز/فرانس برس)
+ الخط -

تنطلق غداً الأحد في بكين، أعمال الاجتماع السنوي للبرلمان الصيني، الذي يعتبر من أهم الأحداث السياسية في البلاد، ومن المنتظر أن يتم الكشف عن التشكيل الوزاري الجديد للسنوات الخمس المقبلة، إضافة إلى تحديد الوظائف الحكومية العليا، بما في ذلك منصب رئيس الوزراء.

كما من المقرر أن يتولى شي جين بينغ ولاية ثالثة كرئيس للجمهورية بموجب تعديلات دستورية تم إقرارها في المؤتمر العام للحزب الشيوعي، الذي عقد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ويأتي الاجتماع في وقت تشهد فيه الصين تحوّلات وتحديات كبيرة. فقبل أشهر قليلة تخلّت السلطات عن سياسة صفر كوفيد الصارمة، وذلك في أعقاب احتجاجات شعبية أنهت ثلاث سنوات من الإغلاق والعزلة أثناء جائحة كورونا.

جوان شيه: من الملفات المهمة على جدول الأعمال التغييرات المحتملة في المناصب القيادية لمؤسسات الدولة

أيضاً تمر العلاقات بين بكين وواشنطن بأسوأ أحوالها. ففي فبراير/شباط الماضي، أسقطت القوات الأميركية منطاداً صينياً حلق فوق قواعدها العسكرية، وقد تسبّبت أزمة المنطاد في إرجاء زيارة كانت مقررة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الصين. كما شهد مضيق تايوان احتكاكات عسكرية متكررة، مما ينذر بإشعال فتيل حرب في المنطقة.

لكن، في المقابل، يعتقد مراقبون أن هناك مناخاً عاماً في الأوساط السياسية والإعلامية الصينية يشي برغبة حقيقية لدى القيادة في إرساء الاستقرار وخفض بؤر التوتر، من أجل إتاحة الفرصة أمام التشكيل الحكومي الجديد لتحقيق الأهداف والخطط الاستراتيجية.

وكذلك الأمر على المستوى الاقتصادي، إذ من المتوقع أن يقوم المسؤولون الصينيون بإصدار مجموعة من أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية لهذا العام، بما في ذلك هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي.

إرساء الاستقرار

وحول أهم ما ستتم مناقشته خلال جلسات البرلمان والاتجاه السياسي العام، قال الباحث في مركز نان جينغ للدراسات السياسية، جوان شيه، لـ"العربي الجديد"، إنه "من بين الملفات الأكثر أهمية على جدول الأعمال هذا العام، التغييرات المحتملة في المناصب القيادية لمؤسسات الدولة".

ولكن من غير المتوقع، حسب قوله، حدوث مفاجآت في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، إذ ستكون الأولوية لإرساء الاستقرار في كافة المجالات، ما يرجح أن تعود الحياة السياسية إلى طبيعتها من أجل التركيز على الأهداف طويلة الأمد. وأضاف: "لن تكون هناك أهداف كبرى، أو تغييرات استراتيجية في خطط الدولة، لأن ذلك سيبدو وكأن الرئيس شي تولى السلطة للتو ويحتاج إلى تسويق نفسه بأفكار وأطروحات جديدة، في حين أنه يواصل عمله كقائد للحزب والدولة لولاية ثالثة".

ولفت جوان شيه إلى أن ما يعزز هذا التوجّه، الهدوء الذي تحلت به بكين في التعامل مع أزمة المنطاد، في وقت لجأت واشنطن لاستخدام القوة العسكرية.

واستدرك: "لمسنا أيضاً درجة كبيرة من البراغماتية غير المعهودة في تعامل السلطات مع الاحتجاجات الشعبية بسبب قيود سياسة صفر كوفيد الصارمة، وهي مؤشرات تؤكد جميعها أن أولوية القيادة تكمن في إرساء الاستقرار وتجنّب الانزلاق والتورط في جبهات متعددة على حساب استكمال مسيرة البناء والتنمية".

لي تشيانغ لرئاسة الوزراء الصينية

من جانبه، قال الأستاذ في جامعة صن يات سن، ليو تشوان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هناك مؤشرات قوية على تولي لي تشيانغ، منصب رئيس الوزراء، الرجل الذي ارتقى أخيراً في مؤتمر الحزب إلى المرتبة الثانية في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، معتبراً هذا الحدث العنوان الأبرز في الدورة البرلمانية لهذا العام.

ولفت إلى أن لي تشيانغ، هو واحد من أقرب الأشخاص إلى شي جين بينغ، وقد عملا معاً لسنوات طويلة، على خلاف رئيس الوزراء الحالي لي كه تشيانغ، المنحدر من خلفيات لها علاقة برابطة الشبيبة الشيوعية ذات العلاقة الوثيقة بالرئيس السابق هو جينتاو.

وأضاف أن قرب رئيس الوزراء الجديد من الرئيس، قد يمنحه صلاحيات كبيرة ومساحة أكبر من سلفه، ويجعله محل ثقة داخل الحزب، ولن يُنظر إلى سلوكه وتصرفاته على أنها تحدٍ لرئيس البلاد، مثلما كان يحدث في ولايات رئاسية سابقة. وتوقع ليو، أن يكون لي تشيانغ، علامة فارقة في النظام السياسي الصيني والتشكيل الجديد الذي سيقود البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة.

هيمنة الحزب الشيوعي

في المقابل، خالف الباحث في مركز كولون للدراسات السياسية (مقره هونغ كونغ)، لي يوان مارتن، في حديث مع "العربي الجديد"، رأي ليو تشوان. وقال إنه من غير المرجح أن يمنح الرئيس الصيني صلاحيات كبيرة لرئيس الوزراء الجديد، لأن ذلك يتعارض مع توجه قيادة الحزب نحو السيطرة على أهم الملفات الرئيسية، بما في ذلك نقل بعض الحقائب الوزارية التي كانت تتبع مجلس الدولة إلى أجهزة الحزب مباشرة.

وي يانغ: الأولوية ستكون تعافي البلاد بعيداً عن أي حسابات سياسية أخرى

وأضاف أن ذلك كان واضحاً منذ تولي شي مقاليد الحكم قبل عقد من الزمن، إذ أنشأ قيادات حزبية أنيطت بها مسؤوليات مرتبطة بالاقتصاد والصناعة وحتى التكنولوجيا، في إعادة إنتاج واضحة، حسب قوله، لشكل السلطة في حقبة الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ.

ولفت إلى أن شي جين بينغ سيسعى من خلال إعادة هيكلة المناصب الحكومية خلال اجتماعات البرلمان، إلى تحقيق درجة من التوازن في توزيع السلطات بين مجلس الدولة والحزب، بما يضمن له سلطة فردية مطلقة تتجاوز مبدأ القيادة الجماعية الذي حاول الرؤساء السابقون تكريسه بعد موت ماو عام 1976.

تحديات اقتصادية

على صعيد آخر، قال الخبير في الشأن الاقتصادي وي يانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه لا يمكن إغفال البنود المتعلقة بأهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية المدرجة في تقرير عمل الحكومة الجديدة.

ولفت إلى أنه خلال العام الماضي، تم تحديد هدف النمو الاقتصادي بـ5.5 في المائة، ولكن نظراً لعدد كبير من التحديات، بما في ذلك عمليات الإغلاق المتكررة بسبب جائحة كورونا، وانقطاع سلاسل التوريد، فإن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في البلاد لم يرق إلى المستوى المستهدف.

وتابع: لذلك لا بد من إرسال مؤشرات للتعافي الاقتصادي بعد رفع القيود والتخلي عن سياسة صفر كوفيد، من أجل تحفيز السوق، وخلق فرص عمل، ومنح الثقة للمستثمرين.

ورأى وي يانغ أن الأولوية ستكون السماح للبلاد بالتعافي بعيداً عن أي حسابات سياسية أخرى. وأشار إلى أن هناك مؤشرات حقيقية على ذلك، فمنذ رفع تدابير مكافحة الوباء، شرع الاقتصاد الصيني في مسار انتعاش سريع، وقد انعكس ذلك في زيادة الاستهلاك ونشاط التصنيع خلال الشهرين الماضيين.

وأوضح أن التحديات الأساسية تكمن في كيفية دعم قطاع التصدير وسط ضعف الطلب الخارجي، وزيادة تعزيز الاستثمار الأجنبي، مما يساعد على رفع التوقعات العالمية وتعزيز الشعور بالاستقرار في ظل الاضطرابات العالمية الراهنة.

المساهمون