إيران تصعد ضد أذربيجان وتركيا: دعوات لإعادة ضم نخجوان وكاراباخ

إيران تصعد ضد أذربيجان وتركيا: دعوات لإعادة ضم نخجوان وكاراباخ إلى "الأرض الأم"

02 أكتوبر 2021
على الحدود الإيرانية الأذربيجانية (Getty)
+ الخط -

تجري رياح السياسة بما لا تشتهيه الحكومة الإيرانية الجديدة، فلم يمض شهران على استلام الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، الداعي إلى تحسين العلاقات مع الجيران، السلطة، حتى نشأت أزمة متفاقمة مع أذربيجان، وبشكل أو آخر مع تركيا، على خلفية تطورات عدة شهدتها أخيراً حدود إيران مع أذربيجان وأرمينيا، مثل عرقلة وصول الشاحنات الإيرانية المتجهة إلى أرمينيا واعتقال سائقين إيرانيين، وإغلاق طريق غوريس كابان من قبل القوات الأذربيجانية.  

وجاءت هذه التطورات مدفوعة بامتعاض إيراني غير معلن رسمياً من مناورات ثلاثية أجرتها تركيا وباكستان وأذربيجان تحت شعار "الإخوة الثلاثة 2021"، خلال الشهر الماضي، زادت من مخاوف السلطات الإيرانية من التطورات في جنوب القوقاز. 

وتقرأ إيران هذه المعطيات على أنها مؤشرات على مخطط أذربيجاني وتركي، بدعم إسرائيلي، لإحداث تغييرات جيوـ سياسية في منطقة القوقاز عبر إنهاء حدودها مع أرمينيا، وذلك من خلال السيطرة على الشريط الحدودي الممتد من جمهورية نخجوان إلى الأراضي الأذربيجانية، والذي يشكل الحدود الإيرانية الأرمينية في محافظة سيونيك الأرمينية.

وسرعان ما ردت إيران على هذه الأحداث بتحشيد عسكري على الحدود مع أذربيجان وإجراء مناورات عسكرية، منها مناورات للحرس الثوري، وأخرى للجيش الإيراني أجراها أمس الجمعة، وسط استقرار وحدات ومعدات عسكرية إيرانية قتالية على نقطة الصفر الحدودية مع أذربيجان في منطقة بلدشت الإيرانية.

وصوّب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، مساء السبت، في مقابلة مع التلفزيون الإيراني، على العلاقات الإسرائيلية الأذربيجانية، قائلاً "إننا قلقون من أنّ الصهاينة والإرهابيين يتسببون بمخاطر لجمهورية أذربيجان"، مشيراً إلى أنّ بلاده أعربت عن قلقها لمشاكل وقعت للسائقين الإيرانيين على طريق المرور إلى أرمينيا من الأراضي الأذربيجانية.

وأضاف عبد اللهيان أنّ "تصريحات الرئيس الأذربيجاني واجهت ردة فعلنا عبر المسار الدبلوماسي وأبلغت سفير جمهورية أذربيجان أننا ندرك خطر الصهيونية في بلدكم"، في إشارة إلى لقائه مع السفير أثناء استلامه أوراق اعتماده الأسبوع الماضي.

وفي الوقت عينه كشف عبد اللهيان عن تلقي طهران "رسائل إيجابية عبر القنوات الدبلوماسية من سلطات جمهورية أذربيجان"، مؤكداً أنّ طهران "ترصد التحركات حول القضايا الجيوـسياسية".

وأكد وزير الخارجية الإيراني أنّ "الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتحمّل أي حضور للكيان الصهيوني المزيف وتحركاته الاستفزازية بالقرب من حدودها. كما لن نتحمل أي تغيير جيوـسياسي في المنطقة والحدود وهو يشكل خطاً أحمر لنا".

اتهامات لتركيا وأذربيجان من البرلمان الإيراني

وفي السياق، خرجت من أروقة البرلمان الإيراني، تصريحات واتهامات ضد تركيا وأذربيجان وعلى تصريحات الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في مقابلته مع وكالة "الأناضول"، الإثنين الماضي، ليغرّد البرلماني الإيراني، محمود أحمدي بيغش مهدداً بأنه "إذا استمرت مغامرات تركيا وتصرفات أذربيجان الخرقاء سنعيد نخجوان وكاراباخ إلى إيران... تلك الأرض الأم". 

يشار إلى أن أذربيجان وأرمينيا ونخجوان كانت أراضي إيرانية قبل أن تتخلى عنها الدولة القاجارية الإيرانية في معاهدة "غولستان" ومعاهدة "تركمنجاي"، المبرمتين عامي 1813 و1828 مع الإمبراطورية الروسية بعد الحروب بين الطرفين. 

أما الأزمة الراهنة، إن استمرت، فلا يتوقع أن تتوقف تداعياتها على العلاقات مع أذربيجان وتركيا، وربما تكون لها ارتدادات داخلية أيضاً لوجود أقلية آذرية كبيرة داخل إيران، تقدر بنحو 25% من عدد سكان إيران البالغ عددهم 85 مليون نسمة. لذلك حاول مسؤولون إيرانيون إبعاد شبهة وجود نزعة قومية عن التوتر مع أذربيجان التي تسكنها غالبية شيعية، والتركيز على أنها قضية أمن قومي في مواجهة محاولات لتغيير الجغرافيا السياسية في جنوب القوقاز على حساب المصالح الإيرانية، وأن المناورات والهجمات تستهدف بالأساس الاحتلال الإسرائيلي المتهم إيرانياً بأنه يسعى إلى ضرب العلاقات الإيرانية الأذربيجانية والتركية في الصميم. 

ربما تكون للأزمة ارتدادات داخلية أيضا لوجود أقلية آذرية كبيرة داخل إيران، تقدر بنحو 25 في المائة

وفي الإطار، أكد البرلماني علي موسوي أنّ "جميع القوميات الإيرانية، خاصة الأذريين (الأتراك) الغيوريين قد أثبتوا في الظروف الحساسة السياسية والعسكرية أنهم سيدافعون عن وحدة الأراضي للبلاد، ليس باللسان وإنما بالدم".

كما أنّ محمد رضا ميرتاج الديني، النائب عن مدينة تبريز مركز محافظة أذربيجان الشرقية، حاول أن يمسك العصا من الوسط بالقول إنّ "جمهورية إيران الإسلامية أثبتت عملياً خلال العقود الثلاثة الماضية أنها مع حسن الجوار والأخوة مع جمهورية أذربيجان، بالتالي فإحداث الموانع على طريق عبور الشاحنات الإيرانية في القوقاز يتعارض مع حسن الجوار"، مشيراً إلى أنّ "إيران لن تقبل بأي تغيير في الوضع الجيوسيساسي المنطقة والحدود وتعتبر ذلك خطاً أحمر".

إلى ذلك، قال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية الإيرانية وحيد جلال زادة إنّ "الجهة الرئيسة التي تخاطبها مناورات أبناء إيران البواسل في الجيش، ليست جمهورية أذربيجان، بل الصهاينة قاتلو الأطفال والمقاول الإقليمي لعملاء إدلب"، بحسب وصفه، في إشارة غير مباشرة إلى تركيا.  

غير أنّ عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية فدا حسين مالكي، هدّد الرئيس الأذربيجاني مباشرة، قائلاً إنه "اذا حصل شيء وأطلقت إسرائيل رصاصة على الحدود الإيرانية فلا يشك علييف في أنه سيكون أول ضحية، لأنّ وحدة أراضينا خط أحمر".

في الأثناء، اتهم عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني محسن دهنوي الولايات المتحدة وإسرائيل بالسعي لـ"إحداث تغييرات جيوـ سياسية على حساب إيران وروسيا وإقحام إلهام علييف في سيناريو خطير"، لافتاً إلى أنّ "قلوب ستة ملايين مواطن شيعي في جمهورية أذربيجان مع إيران، وعلى مسؤولي هذا البلد الجار الصغير ألا يلعبوا بذيل الأسد والعودة إلى العقل وإلا سنضطر للقيام بعمل".

محاولة أخرى لضبط الإيقاع 

وبعد إطلاق هذه الهجمات والتهديدات الحادة، حاول أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، ضبط الإيقاع في تغريدة له، مساء اليوم السبت، قائلاً إنّ إيران "دوماً ترجو الخير لجيرانها ولم توجه أي تهديد ضدهم أبداً"، ومؤكداً أنّ "المشاكل ستحل بالتعاون والتكاتف بين جميع دول المنطقة... أي نفوذ للأجانب لن تكون له نتيجة سوى التفرقة والشيطنة".

والخشية الإيرانية من سيطرة أذربيجان على حدودها المشتركة مع أرمينيا في محافظة سيونيك للأخيرة، مدفوعة بتداعيات جيو-سياسية عدة للخطوة، إذ إنه سيحرم إيران من طريق بديل للوصول إلى أوروبا وجورجيا والبحر الأسود، ويجعل طريق تركيا المسار البري الوحيد أمام إيران للوصول إلى أوروبا، مما سيمنح ذلك ورقة ضغط لأنقرة، فضلاً عن مزايا جيو-استراتيجية أخرى، وحرمان طهران من التأثير في معادلات جنوب القوقاز حسب المراقبين الإيرانيين. 

وفيما ستفقد إيران بذلك ميزة جيو-سياسية على حدودها في القوقاز، إلا أن تركيا سيتعزز دورها أكثر في المنطقة بعد أن ربطت ببلدان العالم التركي في آسيا الوسطى وبحر قزوين شمالي إيران، عبر إنشاء ممر بين أذربيجان وناختشيفان (جمهورية نخجوان) كأحد أبرز إنجازات اتفاق وقف إطلاق النار بين باكو ويريفان بواسطة موسكو، العام الماضي، بعد 44 يوماً من الحرب في إقليم كاراباخ، فضلاً عن وجود خشية إيرانية من تعاظم الدور الإسرائيلي على حدودها في شمال غرب البلاد، لعلاقات تحالف تربط بين أذربيجان وإسرائيل، بعد أن تعزز هذا الحضور في جنوبها إثر تطبيع العلاقات بين تل أبيب وعواصم خليجية. 

وفي السياق، أكد قائد السلاح البري في الحرس الثوري الإيراني، العميد محمد باكبور، أن بلاده "لن تسمح بتغيير الحدود مع الدول الجارة"، قائلاً إن ذلك "من الاستراتيجيات الجادة للجمهورية الإسلامية، حيث نرى أن أي تغيير جيو-سياسي في المنطقة يخل بأمننا الداخلي، وذلك يشكل خطاً أحمر لنا، ولن نبقى مكتوفي الأيدي أمام ذلك". 

وجاءت مناورات "فاتحو خيبر"، أمس الجمعة، بعد أيام من انتقادات حادة للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الإثنين الماضي، إجراء الحرس الثوري الإيراني مناورات على الحدود مع بلاده، في مقابلة مع وكالة "الأناضول"، والتي أثارت غضب السلطات الإيرانية، فضلاً عن انتقاده عبور شاحنات إيرانية إلى كاراباخ عبر ممر لاتشين نحو منطقة خانكندي، واصفاً ذلك بأنه "غير قانوني". 

المساهمون