إثيوبيا والسودان: تصعيد دموي جديد

إثيوبيا والسودان: تصعيد دموي جديد

28 يونيو 2022
البرهان خلال زيارة سابقة له إلى منطقة الفشقة الحدودية، نوفمبر 2021 (الأناضول)
+ الخط -

ارتفعت حدة التوتر السياسي والعسكري مجدداً، أمس الإثنين، بين السودان وإثيوبيا، بعد اتهام الخرطوم لأديس أبابا بإعدام 7 جنود سودانيين ومدني سوداني واحد، والتمثيل بجثثهم، بعد اختطافهم من داخل الأراضي السودانية الأسبوع الماضي. وقدّم السودان شكوى إلى مجلس الأمن الدولي على خلفية هذه الاتهامات، فيما لم يصدر أي موقف رسمي حتى عصر أمس من قبل أديس أبابا، لكن قناة "الجزيرة" الإخبارية نقلت عن "مصدر رسمي إثيوبي في إقليم أمهرة المحاذي للسودان"، نفيه قيام الجيش الإثيوبي بإعدام جنود سودانيين.

وتعيد هذه التطورات، والتي ترافقت أمس مع عودة الاشتباكات الحدودية، إلى الواجهة الأزمة الحدودية بين البلدين في منطقة الفشقة الزراعية الخصبة، والتي تضاف إلى أزمة سدّ النهضة الإثيوبي حيث يقترب الملء الثالث للسد. كما تأتي هذه التطورات فيما لا يزال رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد يواجه في الداخل تمردات إثنية، أبرزها تلك التي يقودها حالياً "جيش تحرير أورومو"، من دون أن يطوي حربه مع إقليم تيغراي الشمالي بالكامل.

يتهم السودان إثيوبيا بإعدام 7 جنود سودانيين ومدني

وقال الجيش السوداني في بيان، مساء الأحد، إن الجيش الإثيوبي أعدم 7 جنود سودانيين ومدنياً كانوا أسرى لدى إثيوبيا. وأوضح المتحدث باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، أن الجيش الإثيوبي عرض جثامين القتلى الثمانية على مواطنيه، في تصرف عدّه الجيش السوداني "يتنافى مع كل قوانين وأعراف الحرب والقانون الدولي الإنساني، وبكل خسّة ودناءة". وأكدت القوات المسلحة السودانية "بشكل قاطع للشعب السوداني"، بحسب البيان، أن "هذا الموقف الغادر لن يمر بلا رد، وسترد على هذا التصرف الجبان بما يناسبه، فالدم السوداني غالٍ دونه المهج والأرواح".

وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً لقتلى بالزي العسكري يرجح أنها تعود للجنود السودانيين الذين لقوا حتفهم بعد أسرهم على الحدود السودانية الإثيوبية الأسبوع الماضي. وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن حادثة الأسر كانت قد وقعت في 22 يونيو/ حزيران الحالي (الأربعاء الماضي)، حينما تعرضت قوة استطلاع تابعة للجيش السوداني لكمين في الفشقة الصغرى قبالة قرية الأسِرّة، بواسطة قوات إثيوبية تدعمها مليشيات مسلحة، وهي حوادث تتكرر مع بداية موسم الزراعة في الأراضي الخصبة بمنطقة الفشقة المتنازع عليها بين البلدين.

وبعد صدور بيان الجيش، توجه رئيس مجلس السيادة السوداني، القائد العام للقوات المسلحة السودانية الجنرال عبد الفتاح البرهان، أمس، إلى منطقة الفشقة. وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن البرهان عقد سلسلة اجتماعات مع القيادات العسكرية في المنطقة، خلال الزيارة.

وقال البرهان في خطاب للجنود على الخطوط الأمامية في جبهة المواجهة على الحدود الشرقية مع إثيوبيا، إن ردّ بلاده على إعدام إثيوبيا لثمانية أسرى سودانيين، سيكون على الأرض، مؤكداً أن الردّ السوداني سيأتي بدون كلام ودون جزع أو خوف، "حتى لو متنا كلنا وكل شيء لا يفك في عضدنا ولن نتراجع".

وتعهد البرهان بإسناد الجنود حتى لا يتم السماح لأي شخص بدخول الأراضي السودانية، مؤكداً ثقته بالجنود السودانيين لردّ حق رفاقهم الذين أعدموا، "لأن الدم السوداني غالي جداً" .

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية السودانية أنها شرعت في تقديم شكوى رسمية ضد إثيوبيا إلى مجلس الأمن الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية، عقب إعدامها 8 سودانيين، وذلك "حفاظاً على سيادة البلاد وكرامة مواطنيها".

كما دان بيان صدر عن الوزارة "بشدة ما أقدم عليه الجيش الإثيوبي من جريمة نكراء تجافي مبادئ القانون الإنساني الدولي بقتله 7 أسرى من الجنود السودانيين ومواطناً مدنياً بعد اختطافهم واقتيادهم إلى داخل الأراضي الأثيوبية وقتلهم والتمثيل بجثثهم على الملأ". وأضاف البيان أن الوزارة السودانية "إذ تدين هذا السلوك غير الإنساني، تود أن تذكر بأن السودان يستضيف أكثر من مليوني مواطن إثيوبي ينعمون بمعاملة كريمة ويتقاسمون مع الشعب السوداني موارده ولقمة عيشه في كرم وتسامح"، مؤكدة أن السودان "يحتفظ بكامل الحق الذي يكفله ميثاق الأمم المتحدة في الدفاع عن أراضيه وكرامة إنسانه".

تندلع المواجهات مع بداية فصل الزراعة التي يعتمد عليها الأهالي كلّياً

وتمّ أمس أيضاً استدعاء السودان لسفيره لدى أثيوبيا جمال الشيخ فوراً للتشاور، والسفير الإثيوبي في الخرطوم يبتال أميرو "لإبلاغه بشجب وإدانة السودان لهذا السلوك غير الإنساني"، بحسب بيان الخارجية السودانية.

من جهتها، أعربت الخارجية الإثيوبية عن أسفها للخسائر في الأرواح نتيجة "مناوشات بين الجيش السوداني ومليشيا محلية". وذكرت في بيان نشر على صفحتها الرسمية عبر فيسبوك، أنها "علمت بالحادثة المأساوية التي وقعت على الحدود الاثيوبية السودانية المشتركة في 22 يونيو الحالي، داخل الأراضي الإثيوبية بعد توغل وحدة من الجيش النظامي السوداني تدعمها عناصر إرهابية من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".

وأضافت: "تأسف الحكومة الإثيوبية للخسائر في الأرواح نتيجة المناوشات بين الجيش السوداني والمليشيا المحلية التي سيُجرى التحقيق بشأنها قريباً". كما أكدت رفض الحكومة الإثيوبية تحريف هذه الحقائق من قبل القوات المسلحة السودانية التي ألقت اللوم ظلماً على إثيوبيا. واستدركت الوزارة: "بينما كانت وحدة من الجيش السوداني هي التي عبرت الحدود الإثيوبية بطريقة استفزازية". وأعربت الخارجية الإثيوبية عن أملها في أن تمنع الحكومة السودانية نفسها عن أي تصعيد وتتخذ تدابير من شأنها تهدئة الموقف.

وترافق التحرك الدبلوماسي السوداني ضد إثيوبيا وزيارة البرهان إلى الحدود، مع تسجيل تحركات عسكرية للجيشين الإثيوبي والسوادني، وتحشيدات لهما على الحدود، سرعان ما تطورت إلى اشتباكات بين قوات البلدين في المنطقة بالقرب من قرية الأسرّة المتاخمة، فيما أكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن قراراً سودانياً صدر بإغلاق معبر القلابات الرابط بين البلدين.

وأبدى عضو تحالف أهالي منطقة الفشقة الرشيد عبد القادر تخوفه من اندلاع المواجهات "مع بداية فصل الزراعة التي يعتمد عليها الأهالي كلياً في حياتهم"، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، عن تسجيل حصول تمدد إثيوبي أمس في الأراضي السودانية، بما فيهإ أجزاء كانت القوات السودانية قد استردتها قبل عامين.

وأعادت حادثة إعدام الجنود السودانيين التوتر بين الخرطوم وأديس أبابا إلى مربعه الأول في عام 2020 حينما دشن الجيش السوداني عمليات عسكرية لتحرير منطقة الفشقة الحدودية، والتي ظلت واقعة تحت السيطرة الإثيوبية منذ عام 1995. وتضاعف التوتر بعد ذلك بين البلدين نتيجة للخلافات بينهما خلال مفاوضات سد النهضة، والتي فشلت في التوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد.

وتعليقاً على ذلك، أوضح الخبير العسكري السوداني اللواء المتقاعد أمين مجذوب، لـ"العربي الجديد"، أن أزمة الفشقة هي أزمة قديمة متجددة بين البلدين منذ 1902، ومرّت بمراحل مختلفة حسمت كلّها النزاع قانونياً، وبالتالي فإن إثيوبيا لا تمتلك حق الحديث عن أحقية لها في المنطقة.

وأشار إلى أن "إثيوبيا أرادت بالحادث الأخير تصدير أزمتها الداخلية للخارج"، وأكد أن لبلاده "الحق الكامل في مقاضاة إثيوبيا أمام الأجهزة العدلية الدولية والرد في الزمان والمكان المناسبين"، على حدّ تعبيره.

من جهته، رأى المحلل السياسي الرشيد محمد إبراهيم أن "الخيارات في التوتر السوداني الإثيوبي مفتوحة على كل احتمالات التصعيد، بما في ذلك الحرب الشاملة"، وبيّن في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التوتر "أخذ هذه المرة صورة ممنهجة وببعد أمني واقتصادي وإنساني"، وهي عوامل ليست بعيدة، بتقديره، عن الملء الثالث لسد النهضة الإثيوبي، وأشار إلى أن "طريقة قتل الجنود السودانيين والتمثيل بجثثهم قد تفرض المواجهة بين الطرفين، حتى لو كانت محدودة أو تكتيكية".

المساهمون