أوروبا ـ روسيا... النفاق عاريا

أوروبا ـ روسيا... النفاق عاريا

04 مارس 2022
حواجز أوكرانية على مداخل العاصمة كييف (ماركوس يام/Getty)
+ الخط -

لا شك أن أوروبا ضاقت ذرعاً بما سمته "عنجهية وغطرسة" الكرملين. وعليه، فقراراتها الأخيرة بمعاقبة روسيا على غزو أوكرانيا لم تكن ارتجالية، بل لعل الآتي أدهى، إذا استمر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في ذات السياسات، وربما بما يحيل حدود أوكرانيا إلى ما يشبه بيشاور الباكستانية أيام الغزو السوفييتي لأفغانستان (1979-1989)، كما تذهب بعض قراءات المواجهة غير مباشرة بين الغرب وروسيا. 

وعلى الرغم من ذلك، تخاطر القارة بانتهاج بعضها شيطنة روسيا في العموم، وبانفلات التطرف لخلق أجواء شبيهة بتلك التي سادت بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وطاولت آثارها حتى اليوم العرب والمسلمين. 

وإذا كانت "الإسلاموفوبيا" قد وجدت تربة خصبة، فإن "روسوفوبيا" تصنعها بعض خطابات دعائية تحريضية، وفوق شعبوية في القارة، وهو ما قد يمنح خطاب الكرملين السابق عن هستيريا غربية بعض المصداقية.

نعم، قدّمت أوروبا نموذجاً عن التضامن وحماية المصالح المشتركة. ونعم لا جدال حول مسؤولية حكام الكرملين عن فوضى وذعر ودموية ممتدة خلقتها تدخلاتهم، من أفريقيا إلى سورية إلى القوقاز والبلطيق. 

لكن، الحنق على سياسات بوتين يجب ألا يُنسي اشتراكه وبعض الغرب في ألاعيب الانتهازية والنفاق في العلاقات بالمستبدين حول العالم، بل وتقاسمهما مناطق "نفوذ". 

وعليه، فإن هرولة بوتين نحو ما سمته موسكو "فخاً غربياً"، وانتهاز أوروبا لفرصة تحرير نفسها من عقدة شيخوختها السياسية، كحال برلين وإسكندنافيا، يضع الغرب أمام فرص لمراجعة طفح العنصرية والازدواجية، ووقف السير نحو غطرسة تدمر كل ما تحاول أوروبا تقديمه من نماذج. 

في المجمل، مآسي الحرب من الممكن أن تمنح الليبراليات الأوروبية وقتا للتمعن بسياساتها السابقة، والنزول عن سلم الاستهتار بقيمة وحرية الآخرين خارج القارة، إذا أرادت حقا التخلص من نمطية صورتها، وتلطيخ كل ادعاء بالقيم والمبادئ.

لا يتعلق الأمر فقط بفرملة جنون ربط كل ما يمت إلى روسيا بحفنة الكرملين، بل أيضاً في اختلال كارثي يقوم على القبول الضمني بتطرف سياساتها القومية الأنانية، وليس اتهام القارة بانتهاج سياسة تمييزية بين لاجئي حروب الجنوب وحروب جغرافيتها وحده ما يشوه صورة أوروبا، بل سنوات طويلة من سياسات تفضيل واستسهال العلاقة بأنظمة مستبدة، بحجج فزاعات "الأمن" و"الإسلاميين". 

فمثلما تتهم موسكو الأوكرانيين بـ"العمالة للغرب" يفعل ضد شعوبهم أصدقاء "القيم الأوروبية" من ديكتاتوريي الجنوب، الذين التقت القارة مع الكرملين على أفضليتهم لتحقيق المزيد من أنانية المصالح.

المساهمون