أنور إبراهيم رئيساً للحكومة في ماليزيا: تحدي قيادة الانقسام

أنور إبراهيم رئيساً للحكومة في ماليزيا: تحدي قيادة الانقسام المحافظ - الإصلاحي

25 نوفمبر 2022
إبراهيم لدى وصوله إلى القصر الملكي في كوالالمبور أمس (Getty)
+ الخط -

أنهى ملك ماليزيا، سلطان عبدالله سلطان أحمد شاه، أمس الخميس، سريعاً، الأزمة السياسية التي برزت في البلاد، إثر صدور نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت السبت الماضي، والتي لم تفرز أغلبية واضحة في البرلمان الجديد لتشكيل الحكومة. وكلّف الملك زعيم المعارضة السابقة، الإصلاحي أنور إبراهيم، بتشكيل الحكومة الماليزية المقبلة، هو الذي أقسم اليمين الدستورية أمس، كعاشر رئيس حكومة لماليزيا، والخامس في غضون 5 أعوام، وسط آمال لمؤيديه بإنهاء مرحلة صعبة من تاريخ البلاد، تناوبت فيها الأزمات السياسية والتوترات العرقية والوضع الاقتصادي المتراجع، بالإضافة إلى تداعيات كورونا، لجعل الماليزيين أكثر تشاؤماً.

أنور إبراهيم وتحديات رئاسة الحكومة

وتمكن أنور إبراهيم (75 عاماً)، أخيراً، من الوصول إلى قيادة حكومة ماليزيا، وإثبات صلابته وصبره للحصول على المنصب، الذي واجه ربما من أجله السجن، فيما يخشى من أن تواجه حكومته أزمة جديدة في البلاد، عنوانها التوترات العرقية، إذ يعد إبراهيم بحكومة جامعة، وهو ما يمكن أن يستنفر الأغلبية من إثنية المالاي. ويشكل المالاي (معظمهم مسلمون ومجموعات من السكّان الأصليين) حوالي 70 في المائة من سكّان ماليزيا الذين يبلغ عددهم حوالي 33 مليون نسمة، فيما يتوزع الباقون بين إثنيات صينية وهندية.

حصل تحالف أنور إبراهيم على 82 مقعداً في البرلمان

وكان تحالف أنور إبراهيم التقدمي، تحالف الأمل (باكاتان هارابان)، والذي يضمّ مختلف الإثنيات في البلاد، قد فاز بأكبر عدد من المقاعد إثر انتخابات السبت، بحصوله على 82 مقعداً (عدد مقاعد البرلمان 222 مقعداً)، فيما حلّ التحالف الوطني (بيريكاتان ناسيونال) بزعامة رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين بالمرتبة الثانية، مع 73 مقعداً.

ونالت "المنظمة الوطنية المالايوية المتحدة (أمنو)، التي حكمت ماليزيا منذ الاستقلال عن بريطانيا (1957)، وحتى 2018، 30 مقعداً بقيادة إسماعيل يعقوب، فيما خسر رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد، زعيم حزب "مقاتلو الوطن"، مقعده، لأول مرة منذ 53 عاماً، كما لم يفز حزبه بأي مقعد.

وظلّت التكهنات تدور حول من سيقود الحكومة المقبلة، إذ لم ينل أي من التحالفين المتصدرين العدد المطلوب من المقاعد للفوز بالأغلبية، وهو 112 مقعداً، ما جعل الملك يدخل كحكم، ليختار أمس إبراهيم لرئاسة الحكومة الماليزية المقبلة.

ولطالما كان إبراهيم على مقربة من أن يحصل على منصب رئيس حكومة ماليزيا، إلا أن الرياح عاكسته، بل أدخلته السجن، بتهمتي الفساد واللواط، وهما اتهامان ظلّ يؤكد أن أهدافهما سياسية، لاسيما بعدما وصلت العلاقة بينه وبين مهاتير محمد، إلى حدّ القطيعة، بعد تقارب شديد بينهما، ويعد مهاتير عرّابه السياسي. وكاد زعيم المعارضة الماليزية الإصلاحي، مرات عدة، أن يقترب جداً من تبوّء رئاسة الحكومة، حين تسلّم منصب نائب رئيس الحكومة في تسعينيات القرن الماضي، ولاحقاً رئيس الوزراء المرتقب في 2018. وبينهما، أمضى إبراهيم حوالي عقداً من الزمن في السجن، وخرج للمرة الثانية منه في مايو/أيار 2018 إثر طلب مهاتير من الملك العفو عنه.

حينها، كانت المصالحة بين مهاتير محمد ورئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق قد بلغت طريقاً مسدوداً، حيث تمّت الإطاحة بالأخير، الذي كان سجن إبراهيم للمرة الثانية (بتهمة اللواط) في 2015. وبدعم من أنور إبراهيم، قاد مهاتير محمد "تحالف الأمل" للفوز في انتخابات مايو 2019، وهزيمة عبد الرزاق وحزب "أمنو" الذي خسر الحكم للمرة الأولى منذ 6 عقود. يذكر أن المحكمة العليا في ماليزيا، كانت قد صادقت في شهر أغسطس/آب الماضي، على إدانة نجيب والحكم عليه بالسجن 12 عاماً على خلفية فضيحة اختلاس أموال من صندوق التنمية الحكومي "أم دي بي 1".

لطالما كان إبراهيم على مقربة من أن يحصل على منصب رئيس حكومة ماليزيا، إلا أن الرياح عاكسته

وتنطوي الفضيحة، على اختلاس واسع النطاق من أموال الصندوق الذي كان من المفترض أن يساهم في تنمية البلاد، لكنها حوّلت في نهاية المطاف إلى حساب نجيب المصرفي. وفُتحت تحقيقات في الولايات المتحدة وسويسرا وسنغافورة، حيث يشتبه باستخدام مؤسسات مالية لغسل مليارات الدولارات. أما بالنسبة لأنور، فقد كان الاتفاق مع مهاتير يقضي بأن ينقل الأخير في النهاية السلطة إليه، وهو ما لم يحصل.

إشارات إيجابية

ويعتبر أنور إبراهيم الزعيم المعارض الأكثر كاريزمية الذي عرفته ماليزيا في تاريخها السياسي، وهو وجه قيادي مسلم وديمقراطي، في آن، من شأن وصوله إلى السلطة، أن يرسل إشارات إيجابية للدول الغربية. قاد أنور إبراهيم في التسعينيات عشرات الآلاف من المواطنين إلى الشارع، اعتراضاً على سياسة حليفه السابق الذي تحول إلى خصمه، مهاتير، علماً أن علاقة الرجلين طبعت المشهد السياسي في البلاد لحوالي 3 عقود. وكانت الخلافات قد طفت خصوصاً حول كيفية إدارة الأزمة المالية الآسيوية (1998 – 2000)، ووصف مهاتير لأنور بأنه "غير مؤهل للقيادة بسبب طبعه". لكن مطالبة أنور بالإصلاح، وصورته الدائمة كإصلاحي، حافظتا على شعبيته.

وتعوّل ماليزيا على زعيم المعارضة السابق، لإعادة الاستقرار للبلاد، وقيادتها في مرحلة التعافي ما بعد كورونا، وفي الوقت ذاته قيادة كتلة شعبية منقسمة، بين جناح يرى أنه تحديثي ومتعدد الثقافات والإثنيات، وآخر محافظ مسلم. ولا يعجب ضمّ أنور في تحالفه لأعضاء إثنيين صينيين، الأكثرية من المالاي، ما أدى إلى رفض التحالف الوطني بزعامة محيي الدين ياسين التحالف معه وتشكيل حكومة وحدة، بعد انتخابات السبت.

ولطالما دعا أنور إلى حكومة جامعة، وإنهاء العمل بالسياسات التي تقدم امتيازات ضخمة للمالاي، ونظام المحسوبيات الذي أبقى ائتلاف "الجبهة الوطنية" (باريسان ناسيونال)، والذي يعد حزب "أمنو" الأكبر فيه، في الحكم لفترة طويلة. ولطالما استفاد "الجبهة الوطنية" من الطبيعة "المتطرفة" إثنياً، للسياسة الماليزية، ما أغرقه أيضاً في الفساد، لكن التحالف لم يحصل في الانتخابات الماضية سوى على 30 مقعداً. أما "التحالف الوطني" بقيادة ياسين، فقد تمكّن من الوصول للمرتبة الثانية، خصوصاً بفضل الحزب الإسلامي الماليزي، الذي حصد لوحده 49 مقعداً.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)