أناتولي تشوبايتس.. عراب دخول بوتين للكرملين ورمز التقارب مع الغرب

24 مارس 2022
ساهم في وصول بوتين إلى الحكم (أليكسي درزونين/ فرانس برس)
+ الخط -

مع  تأكد استقالة الخبير الاقتصادي وأحد الوجوه السياسية الرئيسية في روسيا، أناتولي تشوبايتس، تقطع موسكو خطوة إضافية بالابتعاد عن الغرب، بعدما تراجعت آمالها في تحقيق نمو دائم أقله في السنوات المقبلة. فالرجل الذي يوصف بـ"الكاردينال"، نسبة لدوره في تأسيس منظومة الحكم في روسيا ورعايتها، كان من أبرز رموز التقارب مع الغرب في العقود الثلاثة الأخيرة أي منذ ولادة روسيا ما بعد السوفييتية، وتم تعيينه مبعوثًا خاصًا في عام 2020، مكلفًا بـ"تحقيق أهداف التنمية المستدامة".

وأكد الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، استقالة تشوبايتس من منصبه، بعد ساعات على تقارير إعلامية أفادت بأنه استقال وغادر روسيا احتجاجا على الاجتياح الروسي لأوكرانيا. وذكرت صحيفة "كوميرسانت" أن تشوبايتس شوهد الثلاثاء في مدينة إسطنبول التركية.

ورغم أن المنصب الذي كان يشغله لا يعدّ مفصليا في نظام الحكم في روسيا، إلا أنه كان يعبّر عن رغبة الكرملين في المحافظة على علاقة مع الغرب عبر إبقاء أهم الرموز الليبرالية في تاريخ روسيا بعد السوفييتية تحت الأضواء.

ليبرالي إمبريالي

"الليبرالي الإمبريالي" كما وصف ذاته في لقاء مع صحيفة " كوميرسانت" ضمن ملف مكرس للذكرى الثلاثين لانهيار الاتحاد السوفييتي نهاية العام الماضي، كان الشخصية الأكثر جدلا في العقود الأخيرة. ورغم انتسابه للحزب الشيوعي السوفييتي، فقد كان ضمن مجموعة "الاقتصاديين الشباب" التي ناقشت قضايا الانتقال من الاقتصاد الشمولي إلى اقتصاد السوق في السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفييتي.

تخرج تشوبايتس، البالغ 66 عاماً، من معهد لينينغراد للهندسة والاقتصاد في عام 1977. وبدأ العمل في إدارة مدينة سانت بطرسبورغ في 1990 حينما شغل منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمجلس المدينة، وشغل لاحقا منصب كبير المستشارين الاقتصاديين لرئيس البلدية آنذاك أناتولي سوبتشاك، الذي يعد أيضا من الآباء الروحيين للرئيس الحالي فلاديمير بوتين عندما عمل مساعدا له في مجلس المدينة.

في عام 1992، أصبح تشوبايتس نائب رئيس الوزراء للسياسة الاقتصادية والمالية، لينتقل بعدها في 1996 إلى رئاسة ديوان الكرملين، ولاحقا عاد إلى الحكومة في العام 1997 ليشغل منصب النائب الأول ووزير ضمن حكومة رئيس الوزراء السابق فيكتور تشيرنوميردين. وفي عام 2008، شغل تشوبايتس منصب رئيس هيئة "روس نانو" الحكومية المسؤولة عن تطوير الصناعات الحديثة بالاعتماد على تقنية النانو.

في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، كشف الرئيس السابق لديوان الكرملين فالنتين يوماشيف أن تشوبايتس هو من رشح بوتين لدخول الكرملين للمرة الأولى في عام 1997. وفي حوار تلفزيوني، أوضح يوماشيف أن تشوبايتس أقنع بوتين بتولي منصب بالكرملين بعدما قرر هو الانتقال إلى الحكومة، وعرض ترشيحه لمنصب نائب الإدارة لتغطية النقص الحاصل في الديوان بعد ذهاب عدد من مساعدي تشوبايتس معه إلى الحكومة.

فتح باب الخصخصة

وذكر يوماشيف، في الحوار نفسه، أن تشوبايتس أوضح له أن بوتين "رجل طيب وقوي كان يعمل معه في سانت بطرسبرغ"، وأنه عمل مع سوبتشاك بإخلاص، وتولى معظم المهام اليومية، وأخبره أنه كان يعمل لدى جهاز الاستخبارات الروسي "كي جي بي".

وتوجه سهام الانتقادات الحادة لتشوبايتس في بناء النظام الأوليغارشي الذي تسبب في أكبر مأساة للروس في تسعينيات القرن الماضي، وفقدان الملايين مناصب عملهم وانتشار الجريمة. ورغم مرور نحو ثلاثين عاما على بدء عمليات الخصخصة والتي كان مسؤولا عنها في حكومة إيغور غايدار، يتهم تشوبايتس بأنه العقل المدبر للخصخصة التي هيمن كنتيجة لها عدد من "الروس الجدد" وهو المصطلح الشائع في التسعينيات لطبقة الأوليغارشيين الذين اشتروا مؤسسات وشركات القطاع العام الروسي بأبخس الأثمان، وباتوا ملاكا لأكبر المصانع وشركات إنتاج النفط والغاز والمعادن والمعامل.

وأظهرت استطلاعات في العام 2007 أن أكثر من 77 في المائة من المواطنين الروس ينظرون إلى الخصخصة على أنها "أكبر عملية نهب في القرن العشرين"، وطالبوا بإعادة النظر في نتائجها.

أناتولي تشوبايس (ميخائيل سفيتلوف/ Getty)
كان وراء عمليات الخصخصة (ميخائيل سفيتلوف/ Getty)

وفي عام 1996، أقنع تشوبايتس بوريس يلتسين بالترشح مرة ثانية للرئاسة وساهم مع عدد من الأوليغارشيين في دعمه ماديا، وتفاوض مع المؤسسات المالية العالمية وحصل على قرض في الفترة بين الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات، ما رجح كفة يلتسين على حساب المرشح الشيوعي غينادي زوغانوف في انتخابات شابها التزوير حسب معظم التقارير.

وفي التسعينيات تحكم تشوبايتس، مع تاتيانا داتشينكو ابنة يلتسين، بمعظم القرارات المصيرية في الكرملين وكان العراب الرئيس لكبار حيتان المال الروس. ورغم فشله في إدارة الملفات السياسية والاقتصادية فقد حافظ على وجوده ضمن النخبة الروسية وقدم كثيرا من أعضائها الذين ما زالوا في مناصب رفيعة حتى اليوم مثل أليكسي كودرين رئيس غرفة المحاسبة والتفتيش والذي شغل لسنوات طويلة منصب وزير المال والنائب الأول لرئيس الوزراء.

وفي مقابلة مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، أقر تشوبايتس بأنه "قلل من شأن الإحساس العميق بالظلم الذي ولد لدى المواطنين" نتيجة للخصخصة، لكنه أصر على أنه "لا يمكننا الاختيار بين خصخصة نزيهة وأخرى غير نزيهة، لأن الخصخصة العادلة تتطلب قواعد واضحة تضعها دولة قوية يمكنها فرض القوانين".

وتابع قائلا: "في أوائل التسعينيات، لم تكن لدينا دولة ولا سيادة القانون. ... كان علينا الاختيار بين شيوعية العصابات ورأسمالية قطّاع الطرق"، ما يمثل إدانة للمنظومة التي يتهم بأنه مؤسسها أو "الكاردينال" الذي رعاها.

المساهمون