أقاليم العراق: ردّ طائفي على هيمنة المليشيات

أقاليم العراق: ردّ طائفي على هيمنة المليشيات

06 يونيو 2021
سيطر "الحشد الشعبي" على مساحات واسعة من العراق (الأناضول)
+ الخط -

أعاد الاستعراض المسلح الذي أجرته فصائل عراقية مسلحة حليفة لطهران في بغداد نهاية الشهر الماضي، ومحاصرتها للمنطقة الخضراء التي تضمّ مقرات حكومية حساسة وبعثات دبلوماسية غربية لساعات، إحياء مشروع تشكيل الأقاليم في محافظات الشمال العراقي وغربه. ويستند أصحاب المشروع والمؤيدون له، إلى البند الخامس من الدستور العراقي، الذي أجاز لكل محافظة أو أكثر أن تُشكّل إقليماً يتمتع بصلاحيات واسعة إدارية وتشريعية، على ألا تتعارض مع سلطات الدولة الاتحادية في بغداد، الذي أبقى لها الإدارة والسلطة العليا في البلاد. غير أن دعوات تشكيل الأقاليم المتصاعدة وعلى لسان سياسيين من العرب السنّة، تحمل عنواناً طائفياً لم يعد مقبولاً داخل الشارع العراقي، خصوصاً بعد تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، إذ يجري الترويج لـ"إقليم سنّي" في الأنبار. كما يتحدث آخرون عن إقليم مماثل في صلاح الدين ونينوى، مع طرح مبررات كثيرة تعزز دعواتهم للقبول بالمشروع مثل التخلص من المليشيات ونفوذها، والإفلات من حالة الفشل المزمن في إدارة البلاد من قبل الحكومات المتعاقبة.

وعلى الرغم من أن دعوات تشكيل الأقاليم لم تكن وليدة العام الحالي، بل تعود إلى عام 2011، إبان فترة حكومة نوري المالكي، وتراجعت عقب احتلال تنظيم "داعش" لمناطق شمال وغرب العراق، إلا أنها تعود اليوم مع تغوّل نفوذ الجماعات المسلحة الحليفة لطهران وتفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية. ويلاحظ أيضاً أن متصدري خطاب الأقاليم هم بالغالب جهات سياسية تراجعت شعبيتها في مدن ومحافظات الشمال والغرب، ما يجعل احتمال كونها دعوات لأهداف انتخابية أمراً مرجحاً وبشكل كبير.

دعوات تشكيل الأقاليم لم تكن وليدة العام الحالي بل تعود إلى عام 2011

وأطلق زعيم مؤتمر "صحوة العراق" أحمد أبو ريشة، مطلع الأسبوع الماضي، دعوات لتشكيل أقاليم، رداً على استعراض الفصائل المسلحة، فيما خرجت دعوات مماثلة من نينوى وصلاح الدين في الإطار نفسه. واعتبر أبو ريشة، أن "ما حدث من تطويق مكتب القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي) من قبل عناصر مسلحة هو عمل مهين للدولة"، مؤكداً في بيان أن "شراكة الحكم أصبحت مستحيلة بوجود هذه المليشيات المستمرة بالتجاوز على هيبة الدولة، وأن الأقاليم احترام للنفس والدم ومستقبل الأجيال".

ويُعتبر أبو ريشة أحد المقربين من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي يدعم هو الآخر فكرة الإقليم، وقد اجتمع في يناير/كانون الثاني 2020، في مدينة دبي الإماراتية، مع سياسيين عراقيين ونواب برلمان وقادة كتل سياسية، وُصفوا بأنهم ممثلون عن "العرب السنّة". وأُعيد خلال اللقاء طرح ما يعرف بمشروع "الإقليم السني"، حسبما كشفت مصادر رفيعة في بغداد لـ"العربي الجديد"، التي تحدثت عن خطورة الدعوات الحالية كونها قائمة على أساس طائفي لا جغرافي، ويظهر خلاله تشجيع من بعض القوى الكردية، تحديداً في أربيل، لهذا التوجه في ظل رفض واسع من القوى الشيعية.

وحتى الآن من غير المعلوم ما إذا كان هناك تشجيع خارجي لدعاة الأقاليم، لكن المصادر ذاتها أشارت إلى أن "لقاءات متفرقة عُقدت في بغداد وأربيل لهذا الغرض بين زعامات سياسية مختلفة، بعضها جرى قبل تنظيم الفصائل المسلحة استعراضها في بغداد وأخرى جرت في الأيام الماضية، من خلال الترويج لشعار: الإقليم هو الحل". ونوّهت إلى أن "شخصيات سياسية وزعامات عشائرية تتولى الترويج للخطوة كمشروع حل للأوضاع الراهنة داخل الأنبار وصلاح الدين ونينوى، وتطرح نموذج إقليم كردستان الناجح نسبياً مقارنة ببغداد على كونه فرصة لتكرار التجربة في هذه المناطق".

ووفقاً للدستور العراقي فإن أولى خطوات التوجّه نحو الإقليم هي تصويت مجلس المحافظة على المشروع بأغلبية الثلثين، ومن ثم إرساله إلى بغداد، للمصادقة عليه وتكليف مفوضية الانتخابات بإجراء استفتاء في تلك المناطق حول التحوّل إلى نظام إقليم. ما يعني أن المشروع يبقى رهن عودة مجالس المحافظات التي صوّت البرلمان على إلغائها العام الماضي، من دون اتفاق على موعد لإجراء انتخابات محلية لاختيار مجالس جديدة.

ناجح الميزان، أحد رعاة رعاة مشروع الأقاليم من محافظة صلاح الدين والمقيم في مدينة أربيل، يعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "حلّ الأقاليم هو الحل السريع لإنهاء مشاكل العراق"، مضيفاً أن مدن المحافظات الشمالية والغربية "تعيش تحت رحمة الأحزاب المتنفذة في بغداد والفصائل المسلحة الموالية لإيران، وتعاني كثيراً من التدخلات الإيرانية التي ستنتهي مع حصول المحافظات الشمالية والغربية على حقها في الإدارة الذاتية".

ورداً على سؤال حول أن دعواتهم قائمة على أساس طائفي، يقول: "هناك من يعتبر ذلك ويرى أنه إقليم طائفي سنّي، وهذا الاتهام غير مقبول، لأن الأهالي في مناطق غرب العراق ليسوا طائفيين، بل يريدون العيش بسلام وإنهاء معاناتهم في ظل حكومة تقودها أحزاب موالية للخارج". ويشدّد على أن "هناك أكثر من رأي من أجل مشروع أقاليم جديدة العراق، ومنها التوجه نحو إقليم يجمع أكثر من محافظة، أما آخرون فيطلبون اعتماد أكثر من إقليم في أكثر من محافظة، ولا يمكن القبول بتسمية هذه الأقاليم بالأقاليم السنّية".

ويكشف الميزان عن عقد "لقاءات سياسية لهذا الغرض، وقد تتجه لفتح حوارات مع جهات دولية من أجل الحصول على مباركات لهذا المشروع، الذي لا يهدف إلى تقسيم العراق، بل إلى تنظيم العمل الإداري في المحافظات التي تعاني من الإهمال والتهميش والتجاوزات الإيرانية، والدستور العراقي يدعم هذا التوجه".

شراكة الحكم أصبحت مستحيلة بوجود المليشيات المستمرة بالتجاوز على هيبة الدولة

وفي وقت سابق نقلت وسائل إعلام محلية عراقية عن مصطفى الدليمي، وهو أحد الشخصيات القبلية المعارضة في محافظة الأنبار، تأكيده وجود ما وصفها "تحركات من قبل سياسيين عراقيين من أجل طمأنة دول الجوار من عدم وجود أي مخاطر من ملف الأقاليم في العراق، بما في ذلك إيران". وأضاف "كانت هناك دول شعرت بخشية من المشروع، ومنها السعودية والأردن وسورية وتركيا، ولكن بعد الحوار مع هذه الدول، حصلنا على تعليقات إيجابية، كما أن المؤيدين للمشروع يتواصلون مع منظمات دولية ذات تأثير قوي، وقد تمت مخاطبتها من أجل أن تكون مشرفة على عملية تصويت الجمهور في حال إجرائه بما فيها الولايات المتحدة".

في المقابل، يرى عضو تحالف "الفتح"، النائب عدي شعلان، أن "ظهور الدعوات لتأسيس المقاطعات الطائفية أو الأقاليم بناءً على مذهب الأهالي في بعض المناطق العراقية عادة ما تكون مدعومة من جهات خارجية تريد تمزيق الوحدة الوطنية، لأنه وكما هو معروف أن العراقيين من الشمال إلى الجنوب يرفضون كل أشكال تقسيم البلاد. كما أن الترويج لهذه الفكرة تضعف النسيج الاجتماعي، كما أنها تُضعف العراق خارجياً وداخلياً". ويعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن هذا الموقف ثابت لدى القوى السياسية العربية الشيعية، موضحاً أن "القوى السياسية الوطنية في العراق ترفض هذه الفكرة وتمانعها، ولن نقبل بأي شكل من أشكال الأقلمة في البلاد".

من جهته، يرى النائب سالم العيساوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مشروع الأقاليم لا يصطدم بالدستور، وهناك رغبة من بعض القوى السياسية لتحقيق الأقاليم الإدارية التي تهدف إلى إعطاء صلاحيات أوسع للحكومات المحلية لخدمة المواطنين في المحافظات الشمالية والغربية، وهي تعلن عن الملف بين فترة وأخرى لجس نبض العراقيين". ولم ينكر سعي قوى سياسية "إلى فتح هذا الملف من أجل استغلاله انتخابياً، وأحياناً يكون فتحه نكاية بالحكومة في بغداد التي عادة لا تستجيب لهذا الملف".

من جهته، يوضح الخبير القانوني علي التميمي أن "الدستور العراقي أجاز إنشاء الأقاليم، سواء من محافظة واحدة أو عدد من المحافظات، وهو ما تنصّ عليه المادة الأولى من الدستور التي أشارت إلى الفدرالية الاتحادية". لكنه يشرح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "آلية تقديم مشروع تشكيل الإقليم تمرّ عبر الطلب من ثلث أعضاء مجلس المحافظة أو عُشر الناخبين إلى مجلس الوزراء ثم يحال إلى مفوضية الانتخابات، وأن يشترك في الاستفتاء نصف السكان وأن ينال التصويت نصف عدد المصوتين زائداً واحد". ويشدّد على أنه "إذا تعرض للرفض فيمكن الطعن بذلك، كما يمكن إعادة المحاولة بعد سنة من الرفض".

المساهمون