أسرى الداخل في صفقات التبادل

أسرى الداخل في صفقات التبادل

31 ديسمبر 2023
وفد الصليب الأحمر خارج سجن عوفر قبل الأفراج عن الأسرى 2023/11/30 (فاضل سينا/فرانس برس)
+ الخط -

كما قبيل كلّ صفقة تبادل أسرى بين أيّ فصيلٍ فلسطينيٍ وإسرائيل، يطفو النقاش حول أسرى الداخل الفلسطيني في السجون الإسرائيلية، وضرورة شملهم في الصفقة. وفي كلّ مرّةٍ تكرر إسرائيل رفضها شملهم، بزعم أنّهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، وأنّهم شأنٌ إسرائيليٌ داخليٌ، في محاولةٍ لسلخهم عن شعبهم الفلسطيني، مع أنّهم، للمفارقة، أسروا بسبب تنفيذهم عملياتٍ، أو باتهامات تهديد أمن إسرائيل على خلفيةٍ قوميةٍ، أيّ يعاملهم المحتل عند اعتقالهم وسجنهم كفلسطينيين، وخلال الأسر يتحوّلون بقدرة قادر إلى إسرائيليين.

منذ بدء صفقات التبادل بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل؛ كانت أوّلها عام 1968، لم يحرر أسرى من الداخل ضمن الصفقة إلّا في 5 صفقاتٍ، حينها أصرت الفصائل الفلسطينية عليهم، كانت الأولى عام 1979، أطلق فيها أسيرٌ واحدٌ. ثم صفقة عام 1983 مع حركة فتح، أطلق خلالها سراح الأسرى من معتقل أنصار، ومن بينهم 6 أسرى من الداخل. وبعدها في عملية الجليل (اتّفاقية جبريل) عام 1985 مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، وشملت 52 أسيرًا من الداخل. ثم أطلق سراح 5 أسرى من الداخل في صفقة وفاء الأحرار عام 2011 مع حركة حماس، واختتمت أخيرًا في التبادل خلال حرب "طوفان الأقصى"، إذ أطلق سراح 6 أسيراتٍ من الداخل.

الأبعاد القضائية

لتضمين أسرى الداخل في الصفقة الأخيرة مع حماس، ولصفقاتٍ أخرى سابقةٍ ومستقبليةٍ، أبعادٌ سياسيةٌ وقضائيةٌ، تأخذ حيزًا في النقاش الداخلي الفلسطيني، تتعدد وجهات النظر فيها، فمن الناحية القضائية، يرى مركز عدالة القانوني، ومديره حسن جبارين، أن تضمين أسرى الداخل في صفقات التبادل قد يحمل أبعادًا خطيرةً عليهم بعد الإفراج، خاصّةً مع موجة القوانين الفاشية، التي صادقت عليها الحكومات الإسرائيلية، وثبتت في كتاب القوانين الإسرائيلي. إذ يخشى من الحملات المسعورة ضدّهم، ومحاولات سحب الجنسية منهم، وتركهم بلا حقوقٍ مضمونةٍ، أو التضييق عليهم في العيش والعمل، معتبرًا أنّه من الأفضل عدم تضمين من لم يصدر ضدّه حكمٌ بعد، ممن اعتقلوا بعد 7 أكتوبر 2023، لأنّ قضاياهم ما زالت معلقةً، ومن الممكن المرافعة فيها، والحصول على البراءة، أو على أحكامٍ مخففةٍ، وترك الأولويّة لمن حكم عليهم مدّةً طويلةً، وكذلك لمنع إضافة بنودٍ إلى لوائح الاتهام، تشمل دعم الإرهاب، أو التماهي مع منظّمةٍ إرهابيةٍ.

بعد اندلاع هبّة الكرامة عام 2021، اعتقلت الشرطة الإسرائيلية نحو 2200 فلسطينيٍ من الدخل، على خلفية المشاركة في الهبّة

من جهةٍ أخرى، لا تملك أيّ جهةٍ قرار أيّ الأسرى يدرجون ضمن الصفقة، إذ يعود القرار إلى لحكومة الإسرائيلية، خاصّةً أنّ الفصائل الفلسطينية لم تحدد أيّ الأسماء تريد، وبالتالي يجد الأسرى أنفسهم؛ والأسيرات على وجه الخصوص، خاصّةً ممن اعتقلوا بعد عملية طوفان الأقصى بين مطرقة التعذيب والوحشية الإسرائيلية في السجون، والتنكيل بهم جسديًا ونفسيًا، وبين سندان الملاحقة القضائية، والحملات العنصرية، والتضييق على كلّ مناحي المستقبل، خاصّةً في ظلّ إعلان عددٍ من المعاهد الأكاديمية؛ وفي مقدّمتهم معهد العلوم التطبيقية/ التخنيون، عن عدم استقبالهم أيًّا من الأسرى المحررين في مقاعد الدراسة مرّةً أخرى، في هذه الحالة لا يملك المركز، أو أيٌّ من الفاعلين في المجال الإجابة، ويبقى التقدير للأسرى وعائلاتهم.

الأبعاد السياسية

أما على المستوى السياسي، لشمل أسرى فلسطينيي الداخل أهمّيةً قصوى، إذ ترسل رسالةً واضحةً لإسرائيل، وللجميع إنّ مخطط تفريق الشعب الفلسطيني، وتقسيمه وفق مناطق جغرافيةٍ (داخل، قدس، ضفّة، غزّة، شتات) لم ولن ينجح، إنّه تأكيدٌ على أنّ الفلسطينيين جميعهم شعبٌ واحدٌ على اختلاف أماكن تواجدهم، ويبرهن أنّ إسرائيل تعاملهم بالمثل خلال الأسر والتنكيل، دون تفرقةٍ جغرافيةٍ كانت، أو وفق انتمائهم السياسي.

تاريخيًا، شملت الصفقات كلّ الجغرافيا الفلسطينية، لكن يبقى النقاش حول المعايير وترتيبها، مثل الأقدمية، والوضع الصحي، والانتماء السياسي، ومدّة الحكم، والجنس وغيرها، لذا في كلّ مرّةٍ يبدأ الحديث عن أيّ صفقة تبادلٍ يبدأ النقاش العلني حول معايير الإفراج، فعلى سبيل المثال رأينا خلال صفقة الحرائر عام 2009، أنّ المفرج عنهم كانوا من الأسيرات، كذلك الأمر في عملية تبادل طوفان الأقصى الأولى، كان المعيار هو النساء والأشبال.

هذه المعايير لا تخضع لاعتبارات الفصائل الفلسطينية، أو من يفاوض وحده، فهناك الجانب الآخر، الإسرائيلي ومطالبه، خاصّةً أنّنا حاليًا أمام حالةٍ فريدةٍ، إذ يبادل مدنيون قبل الجنود، وفي معظم الصفقات السابقة كان المقابل إما جنودًا، أو طائراتٍ مخطوفةً وأجبرت على الهبوط في مطاراتٍ مختلفةٍ حول العالم، لذلك تختلف المعايير بالكامل.

في حال أصرت حركة حماس على مطلب تبييض السجون مقابل ما لديها من أسرى عسكريين، ورهائن مدنيين، فسيتم ذلك على دفعاتٍ عدّةٍ، ما يضعنا في خضم النقاش مرّةً أخرى، ما هي معايير كلّ دفعةٍ ولأيّ المعايير الأولويّة؟

أسرى هبّة الكرامة

بعد اندلاع هبّة الكرامة عام 2021، اعتقلت الشرطة الإسرائيلية نحو 2200 فلسطينيٍ من الدخل، على خلفية المشاركة في الهبّة، وتنوعت أنواع التنكيل والتعذيب خلال الاعتقالات، في النهاية قدّمت 397 لائحة اتهامٍ ضدّ المعتقلين، غالبيتهم اليوم ينتظرون البت القضائي في ملفاتهم، في ما حكم على 15 معتقلٍ بعدد سنوات سجنٍ وصلت إلى 15 سنة.

لتضمين أسرى الداخل في الصفقة الأخيرة مع حماس، ولصفقاتٍ أخرى سابقةٍ ومستقبليةٍ، أبعادٌ سياسيةٌ وقضائيةٌ

مع الحديث عن صفقة تبادلٍ قريبةٍ، تعالت المطالبات بإدراج أسرى الداخل في الصفقات، ومن بينهم أسرى هبّة الكرامة، خاصّةً أن الأحكام شملت عدد سنوات سجنٍ ليست بالقليلة، لكن حتّى اليوم لا إشارةً لشملهم أو عدمه، خاصّةً أن المعايير التي ستحدد هويّة المفرج عنهم ضمن الصفقة لم تتوضح بعد، لذلك تبقى النداءات حاليًا معلقةً إلى حين بدء الحديث عن التفاصيل.

إلى ذلك الحين، تدفع لجنة المتابعة العليا، وجهاتٌ سياسيةٌ عديدةٌ، ومؤسسات المجتمع المدني في الداخل نحو ضرورة توفير حمايةً مدنيةً للفلسطينيين في الداخل، كونهم يعانون البطش الإسرائيلي تحت نظام فصلٍ عنصريٍ، يحاكمهم على أنّهم فلسطينيون وداعمون للإرهاب، بغطاء القانون الساري على حملة المواطنة الإسرائيلية، ولا تسري عليهم المعاهدات والاتّفاقيات الدولية.

المساهمون