اختتم وزراء خارجية كل من روسيا سيرغي لافروف، وتركيا مولود جاووش أوغلو، وإيران حسين أمير عبد اللهيان، والنظام السوري فيصل المقداد، اجتماعهم الرباعي حول سورية، أول من أمس الأربعاء في موسكو، بـ"تكليف نواب وزراء الخارجية الأربعة بإعداد خريطة طريق، لتطوير العلاقات بين سورية وتركيا والاتفاق على مواصلة الاتصالات رفيعة المستوى والمفاوضات الفنية بشكل رباعي في الفترة المقبلة بالتنسيق مع وزارات الدفاع والاستخبارات للدول الأربع".
ويبدو أن الاجتماع الرباعي أسس لمرحلة جديدة في العلاقة ما بين تركيا والنظام السوري بعد قطيعة امتدت لأكثر من عقد تخللتها مناكفات سياسية وصدامات عسكرية، كادت أن تنزلق إلى مواجهة مفتوحة في الربع الأول من عام 2020 لولا التدخل الروسي.
لكن فتح الطريق بين أنقرة ودمشق يواجه الكثير من العراقيل التي تراكمت من عام 2012 وصولاً إلى عام 2023، والتي من الممكن أن تحول دون تطبيق بنود الخريطة التي من المتوقع أن تتمحور حول ملفات أمنية وعسكرية واقتصادية، ضاغطة على الطرفين التركي والسوري.
وتشي التطورات الأخيرة بأن الجانبين حريصان على إنجاح المساعي الروسية لجهة وضع حد للعداء بينهما والانتقال إلى مرحلة جديدة، عنوانها الرئيسي: مواجهة الخطر المشترك وهو "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والتي تحمل مشروعاً سياسياً في شمال شرقي سورية، يتفق الأتراك والنظام على أنه يشكل خطورة عليهما.
خريطة الطريق بين أنقرة ودمشق
ومن المرجح أن تتضمن خريطة الطريق التي من المتوقع وضع بنودها خلال شهر مايو/أيار الحالي، تنسيقاً أمنياً وعسكرياً بين تركيا والنظام للتعامل مع قوات "قسد"، التي تتلقى دعماً كبيراً من الولايات المتحدة. والأخيرة تبدو حريصة على عدم إنجاح الخطة الروسية باستعادة النظام للشمال الشرقي من سورية.
رشيد حوراني: روسيا تهدف إلى إضعاف النفوذ التركي بسورية
في موازاة ذلك، تُشكّل عودة نحو 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، هاجساً كبيراً لأنقرة التي تريد تسهيل ضمان عودتهم إلى وطنهم الأم "بشكل طوعي وآمن ومشرف".
لذا من المتوقع أن تكون آليات عودة هؤلاء اللاجئين أبرز بنود الخريطة. ولكن تحقيق هذا الهدف يبدو صعباً في المدى المنظور، في ظل رفض أغلب اللاجئين السوريين العودة إلى مناطق سيطرة النظام خشية تعرضهم لعمليات انتقامية جسيمة، خصوصاً أن للنظام سوابق في هذا الشأن، بعد تعرض لاجئين عادوا من لبنان إلى انتهاكات واسعة.
كما أن النظام لا يملك الإمكانات الاقتصادية التي تسمح له بعودة الملايين إلى مناطقه المنهكة إلى حد بعيد، خصوصاً أن الغرب أكد أنه لن يرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، في حال عدم انخراط جدي في العملية السياسية وفق القرارات الدولية ذات الصلة.
وتؤكد المعطيات المتوافرة أن النظام ليس بصدد اتّباع سياسة "الباب المفتوح" أمام عودة ملايين السوريين الموجودين تحديداً في دول الجوار.
وبرأي الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، فإن الهدف الروسي من وراء خريطة الطريق المقرر وضعها "إضعاف النفوذ التركي في سورية وتخفيض حجم قدرته على التأثير، ولو بشكل متدرج يمكن البناء عليه بطريقة تراكمية".
وتابع: الهدف تقليص الدور التركي في شمال غربي سورية بالتحديد وصولاً لإنهائه من منطلق أنه خال من حزب العمال الكردستاني، أي لا توجد تهديدات للأمن القومي التركي.
وأعرب عن اعتقاده بأن موسكو تدفع باتجاه مواجهة تركية أميركية في منطقة شرقي نهر الفرات حيث قوات "قسد". ورأى حوراني أن الجانب الروسي "يحاول الحصول على تنازلات تركية في الشمال السوري، من خلال تحقيق مكاسب اقتصادية لأنقرة عبر تأجيل دفع ديون الغاز المترتبة على تركيا لروسيا إلى عام 2024".
ملفات إضافية ضمن خريطة الطريق
وفي السياق، اعتبر المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد في حديث مع "العربي الجديد"، أن "خريطة الطريق التي يدور الحديث عنها ستشمل وضع رؤية لحل معضلة الوجود العسكري التركي على الأراضي السورية".
وبرأيه فإن تنظيم هذا الوجود وفق صيغة شبيهة باتفاقية أضنة (اتفاقية وقعها النظام مع الجانب التركي في عام 1998 تسمح للجيش التركي في التوغل في الأراضي السورية) من أولويات الجانب التركي.
وأشار عبد الواحد إلى "أن الأطراف حتى الآن لا تملك رؤية موحدة متوافقا عليها حول كيفية تجاوز موضوع قوات قسد". وقال إن دمشق مستعدة للتفاوض معها (قسد) بهدف ابتلاعها وتركيا تصر على القضاء عليها. أما بالنسبة لروسيا فلا مانع لديها من الاستفادة من هذه التناقضات لتعقيد الموقف الأميركي في شمال شرقي سورية.
ولفت عبد الواحد إلى أن "العودة (الآمنة) للاجئين السوريين ستكون ضمن خريطة الطريق التي جرى الحديث عنها في موسكو الأربعاء". وبرأيه فإنه من غير المستبعد أن تتوافق أنقرة مع دمشق على رؤية معينة بوساطة روسية، لتنفيذ مشاريع إعادة إعمار ضمن مناطق محددة لعودة لاجئين إليها. وأعرب عن اعتقاده بأن الخريطة "من المفترض أن تتناول ترتيب الوضع في إدلب وريف حلب".
وأضاف: في البداية لن يتجاوز أي اتفاق فتح الطرق الدولية التي تمر من تلك المناطق، ولاحقاً ربما ستجري جولات مفاوضات بين النظام وقوى المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا هناك.
طه عبد الواحد: العودة الآمنة للاجئين ستكون ضمن خريطة الطريق
وأوضح عبد الواحد أن الجانب الروسي سيركز في الخريطة على موضوع استئصال "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، خصوصاً أنه جرى التأكيد خلال الاجتماع الرباعي على التصدي للإرهاب بكل أشكاله.
وختم بالقول: الوضع معقد، ليس في الإطار العام فحسب، بل في كل تفصيل دقيق. هناك عراقيل كثيرة ستصطدم بها عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق، وخريطة الطريق التي تحدث عنها لافروف تبدو مجرد إعلان سياسي لتسجيل نقطة، فكل ملف من الملفات التي يمكن أن يجري بحثها للتطبيع بين البلدين، بحاجة إلى أكثر من خريطة طريق لحله.
إلى ذلك، من المتوقع أن تكون لنتائج الانتخابات التركية التي ستجرى الأحد المقبل وتشهد تنافساً كبيراً بين مختلف الأحزاب التركية تأثير مباشر على خطوات التقارب بين أنقرة ودمشق، بما في ذلك خريطة الطريق التي يدفع الروس باتجاه بلورة بنودها في أسرع وقت.
وفي هذا الصدد، لفت المحلل السياسي التركي هشام جوناي في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الانتخابات التركية: "غير محسومة للطرف المفاوض عن تركيا في موسكو مع نظام الأسد، وهو حزب العدالة والتنمية".
وبرأيه فإن خريطة الطريق المقرر وضعها ستكون مرهونة بفوز العدالة والتنمية بالانتخابات. وأعرب عن قناعته بأن الاجتماع الوزاري الرباعي الذي عقد أول من أمس الأربعاء في موسكو: "له بعد رمزي لا أكثر"، مشيراً إلى أن موسكو أرادت التأكيد أنها قادرة على جمع الجانب التركي والنظام السوري على طاولة واحدة. ولفت إلى أنه يبدو أن الجانب الروسي يأمل بفوز العدالة والتنمية بالانتخابات لبدء مرحلة جديدة بين تركيا ونظام الأسد، لذا لا يمكن الحديث عن خريطة طريق واضحة إلا بعد الانتخابات التركية.