أبرز العقبات أمام بقاء فون ديرلاين على رأس المفوضية الأوروبية

أبرز العقبات أمام بقاء فون ديرلاين على رأس المفوضية الأوروبية لولاية ثانية

22 فبراير 2024
وصلت فون ديرلاين إلى منصبها بعد بدعم من المحافظين في أوروبا (الأناضول/فرانس برس)
+ الخط -

عبّرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، الاثنين الماضي، عن رغبتها في الاستمرار بمنصبها بعد انتخابات البرلمان الأوروبي صيف العام الحالي، وسيعتمد الترشيح رسمياً في اجتماع الأحزاب المحافظة في الاتحاد الأوروبي، في العاصمة الرومانية بوخارست، بين 6 و7 مارس/آذار القادم.

فون ديرلاين هي طبيبة ألمانية تبلغ من العمر 65 عاماً، وأم لسبعة أطفال، تنتمي إلى الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وصلت إلى منصبها الحالي في 2019، بعد أن لاقت دعماً من المحافظين في أوروبا.

وكانت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل قد فشلت في دعم ترشيح "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" لفون ديرلاين، بسبب معارضة شريكها في الحكم، الاجتماعي الديمقراطي (يسار الوسط) برئاسة أولاف شولتز، الذي لا يبدو أنه يحافظ على نفس الموقف السلبي الذي اتخذه قبل خمس سنوات، وعبر رئيس حكومة إسبانيا الاشتراكي بيدرو سانشيز عن دعمه لها، وحصلت على 374 صوتاً من أصوات 705 برلمانيين أوروبيين. البرلمان القادم يضم 720 برلمانياً، ويجب عليها ضمان تصويت نصف البرلمان على الأقل لصالحها.

تدور رحى المعركة في كواليس أوروبا، في الطريق نحو انتخاب برلمانها الجديد، في 9 يونيو/حزيران القادم، إذ يسعى أقصى اليمين المتشدد لزيادة نفوذه وتأثيره, وتدرك"السيدة القوية"، كما توصف فون ديرلاين في أوروبا، أنه رغم تراجع شولتز وبعض يسار الوسط الأوروبي عن معارضة ترشحها، سيتعين عليها تجاوز عقبات تربّص الكتل المتشددة في التركيبة القادمة للبرلمان الأوروبي.

فون ديرلاين في مواجهة اليمين المتشدد

 في ردها على التحول الجاري في شوارع أوروبية نحو اليمين، والذي تشير إليه استطلاعات الرأي، لم تكن دبلوماسية أو متسامحة حين قالت الاثنين الماضي: "سواء كان بوتين وأصدقاؤه في أوروبا، أو مارين لوبين، أو البديل من أجل ألمانيا، أو غيرت فيلدرز (الهولندي) فإنهم يقفون في طريق الديمقراطية في أوروبا. إنهم يريدون تدميرها".

ردّها يعكس القلق من تقدم أقصى اليمين الأوروبي في الاستطلاعات، برغم تركها انطباعات أخرى جيدة، حتى في صفوف من يشككون في قيادتها للمؤسسة القارية الممثلة لنحو نصف مليار إنسان.

مشكلة الأحزاب المحافظة في أوروبا، رغم توقع أن تصبح كتلة كبيرة في الانتخابات القادمة، أنها تواجه ضغطاً متزايداً من معسكر اليمين القومي المتشدد. ويجري استنزاف أصواتها باتجاه تصويت على خلفية الأزمات، لا على أرضية الولاءات الأيديولوجية، ربطاً بأزمات مستمرة في القارة على مدار السنوات التي تلت تصويت مايو/أيار 2019.

ليس كافيا أن يقف معسكر "يمين الوسط" الأوروبي خلف ترشيح فون ديرلاين في بوخارست الشهر القادم. فالدعم الذي تحتاجه، لتجاوز الأغلبية الضئيلة التي حققتها في الانتخابات الماضية، أكبر من العائلة المحافظة في أوروبا. وإن ترشح عن يسار الوسط، بدعم يساري -اشتراكي، وأحزاب الخضر، شخص آخر لرئاسة المفوضية، فلن يكون الأمر سهلاً على فون ديرلاين، إذ ستحتاج حينها لأصوات اليمين المتطرف، وتلك إشكالية أخرى في سياق التحولات الأوروبية.

في الفترة الأخيرة بدأت فون ديرلاين تستشعر معاني السير على حبل مشدود، فأوروبا تعيش تحت ضغط الحرب في أوكرانيا، ومطالب تأجيل التحول الأخضر(الحياد المناخي حتى 2040) وأزمات اقتصادية أشعلت احتجاجات المزارعين. هذا إلى جانب تنامي التشاؤم في شوارع أوروبية من القدرة على هزيمة روسيا، الذي بينه استطلاع نشره، أمس الأربعاء، "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية". تنصت كذلك فون ديرلاين إلى شكوى تراجع القدرة التنافسية للشركات الأوروبية ومطالب العودة إلى "صنع في الاتحاد الأوروبي"، بديلاً لضغط الإنتاج الخارجي، خصوصا من الصين.

كما عبّرت في مناسبات عدة عن تفهمها لاحتجاجات المزارعين على خلفية ميثاق التحول الأخضر، وسط حالة شد وإصرار من الأحزاب الخضراء واليسار للاستمرار في السياسات نفسها، رغم الأثمان. وتواجه فون ديرلاين ضغوطاً من لوبيات الشركات الكبرى وعالم الأعمال لإزالة العوائق البيروقراطية لتسريع كفاءة الصناعات الأوروبية، وسط شعورها بالضغوط الصينية والأميركية، وتوالي أزمات التوريد منذ جائحة كورونا وتزايدها مع ما يشهده باب المندب والبحر الأحمر من عسكرة لطريق حيوي.

أضف إلى ذلك، أن أوروبا كلها، أي ليس فون ديرلاين فقط، تعيش ظروفاً غير سهلة في بحثها عن أجوبة عن كيفية الدفاع عن نفسها دون الاعتماد الزائد على الحليف الأميركي، وخصوصاً إذا عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مع نهاية العام الحالي.

الدفاع الأوروبي 

يوم السبت الماضي، قدمت فون ديرلاين مقترحاً يرضي "النزعة الدفاعية الاستقلالية" في القارة، باستحداث "مفوض الدفاع الأوروبي"، وهو يرضي معسكرا ليبراليا أوروبيا لا يرى تعارضاً بين نوع من "عسكرة" أوروبية، وعضوية أغلبية دول الاتحاد الأوروبي في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

يرغب مؤيدو التعاون الدفاعي الأوروبي بخلق أنظمة دفاع مشتركة، بدل القائمة حالياً، خصوصاً مع تعاظم ما يرونه تهديداً روسياً مستقبلياً. ذلك بالطبع لا يروق لمعسكر القوميين المتشددين في البرلمان الأوروبي، الذي يضم من تصفهم فون ديرلاين بنفسها بـ"حلفاء بوتين"، ومعارضة آخرين في معسكر اليسار من "أمركة" الاتحاد الأوروبي بصيغة "الولايات المتحدة الأوروبية".

بانتظار ما يمكن أن تفرزه صولات وجولات أروقة أوروبا، قبيل انتخابات برلمانها، واجتماع بوخارست الشهر القادم، تظل مهمة أورسولا فون ديرلاين، والمعسكر الداعم لتجديد ولايتها، تحت ضغط المؤشرات التي تمنح أقصى اليمين فرصة "تطبيع" حالته ونفوذه، لدمجه في السياسة الأوروبية، على طريقة السابقة الفنلندية، التي اضطر فيها يمين الوسط (حزب التجمع) إلى ضم "الفنلنديين الحقيقيين" إلى الحكم، بعد خروج يسار الوسط منه.

ربما تضطر أورسولا فون ديرلاين، في سياق لعبة سوليتير كبيرة على المناصب بين حكومات الدول الـ27 حتى موعد قمة محددة ما بين 27 و28 يونيو/حزيران القادم، إلى تقديم وعود بشأن مجالات السياسة ذات الأولوية للأطراف المتشددة، مثل الهجرة والبيئة والقضايا الزراعية.

المساهمون