آفاق الحركات الاحتجاجية: النواقص والإمكانيات

آفاق الحركات الاحتجاجية: النواقص والإمكانيات

31 أكتوبر 2021
فئات فلسطينية صارت أكثر استقلالية عن السلطة (عباس مومني/فرانس برس)
+ الخط -

ظهور حراكات احتجاجية فلسطينية بالأعوام الأخيرة، بالضفة الغربية وقطاع غزة، كان نتاج عدة عوامل، أهمها فشل اتفاقية أوسلو، كما أن إقامة السلطة الفلسطينية لم تشكل نموذجا وطنيا مؤسساتيا مقنعا لشرائح واسعة من الشعب الفلسطيني، والتي انقسمت لسلطتين متناكفتين في الضفة والقطاع والذي أدى لتراجع في دور الفصائل والأحزاب السياسية الفلسطينية مما خلق حالة من الفراغ، إضافة لأحداث الربيع العربي التي شهدتها دول عربية في العقد الأخير، والتي من الطبيعي أن تؤثر على واقع الحياة في المنطقة برمتها.

الحراكات الاحتجاجية والاجتماعية الفلسطينية مرت بظروف ومحطات معقدة بسبب غياب الأدوات، حيث تراجع دور الأطر والمؤسسات من نقابات واتحادات بالسنوات الأخيرة نتاج الظروف التي نشأت بعد اتفاقية أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية، والتي استحدثت الكثير من الوزارات والهيئات التي حلت محل بعض القطاعات الحيوية التي تشكل روافع الحراكات الاحتجاجية مثل الطلاب والعمال والأطباء والمهندسين والمعلمين، وخاصة أن تلك القوى والأطر تم إنشاؤها بنهاية القرن الماضي كامتداد للفصائل والأحزاب الوطنية لمواجهة الاحتلال، ولم تكن نشأتها مرتبطة بتحسين ظروف معينة لقطاع أو شريحة معينة، بقدر ما كانت جزءا من سياق وطني كفاحي تناقضه الحقيقي والرئيسي مع الاحتلال، وليس لتغيير واقع اجتماعي أو إزالة ظلم ولا لتحسين ظروف شريحة أو مجموعة معينة.

يأتي قرار وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس قبل أيام بالإعلان عن 6 مؤسسات مدنية فلسطينية فاعلة مثل الحق والضمير كمؤسسات إرهابية في عدة سياقات، منها تحجيم دور السلطة الفلسطينية حتى في رام الله معقل السلطة والقيادة إلى أقل من بلديات وبدون صلاحيات لإضعافها وللحد من قدرتها على قيادة أي تحرك ضد إسرائيل، كما يرتبط القرار الاحتلالي بالحراكات الاحتجاجية، حيث برزت تلك المؤسسات بالسنوات الماضية بأغلبية الحراكات الموجهة ضد الاحتلال وسياساته، وضد الظلم والفساد وآخرها قضية مقتل الناشط الفلسطيني نزار بنات أثناء اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مدينة الخليل قبل شهور، والذي أثار موجة ردود فعل تجسدت في حراكات تطالب بمحاكمات عادلة للمتهمين وتركزت بالخليل مسقط رأس نزار بنات ورام الله حيث مركز العمل السياسي والسلطوي وفيها تجري محاكمة المتهمين بالتسبب بالوفاة، والذي يكشف تدخل الاحتلال في الحراكات الداخلية الفلسطينية، وتعمل لتفكيك تلك المؤسسات سواء السياسية أو الوطنية وحتى المدنية منها والتي يعمل جزء منها على ملاحقة إسرائيل وجرائمها في المؤسسات الدولية، وهذا يكشف دور وتأثير الاحتلال في الحراكات الاحتجاجية حتى وإن كانت في عقر دار السلطة وفي قضايا داخلية.

لم تعد مشاركة الطلبة والشباب في الحراكات الوطنية والاجتماعية كما كانت قبل اتفاقية أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية، وذلك لتراجع دور المؤسسات الشبابية ومجالس الطلبة، لعدة أسباب أهمها استحداث مؤسسات سلطوية وأهلية تمارس أدوار ونشاطات الطلبة والشباب، وتأثير السلطتين على الاتحادات والمجالس بالضفة والقطاع، وانعكاس الانقسام على الفعاليات الملقاة على عاتق المؤسسات الطلابية والشبابية، وذهب جزء منها للمناكفات الداخلية على حساب القضايا الوطنية والاجتماعية، مما أثر بشكل سلبي على الحراكات الاحتجاجية بشكل عام، بعد تراجع دور الطلبة والشباب والذين بطبيعتهم يرفضون القهر والظلم، ويمتازون بالحيوية والمرونة والاندفاع والاستعداد للمشاركة والتضحية وعدم البحث عن الحسابات الذاتية، حيث لعب الشباب والطلبة وممثلوهم دورا متقدما في طليعة الحركة الوطنية الفلسطينية ضد الاحتلال، لامتلاكهم قدرات وطاقات تجعلهم الأكثر قدرة على العمل وعلى تحمل الأعباء ومسؤوليات وتبعات النضال وبناء المجتمع وصياغة اتجاهاته وتغيير الواقع الفلسطيني.

أحدث النظام السياسي الاقتصادي الفلسطيني تغييرات على الطبقة الوسطى بالمجتمع الفلسطيني، وأصبحت مجموعة صغيرة تملك وتسيطر على أكثر من 90% من أموال ومصادر الشعب الفلسطيني، فيما لم يبق سوى 10% من مقدرات ومصادر الشعب الفلسطيني مملوكة لدى أكثر من 90% من الشعب الفلسطيني، والذي أحدث تغييرات على المبنى الاجتماعي الفلسطيني، وخاصة الطبقة الوسطى والتي أصبحت تضم كبار موظفي الحكومة الفلسطينية، الذين باتت مصالحهم مرتبطة بمصالح السلطة إضافة لخضوعهم لتعليماتها وقوانينها، مما أضعف الحراكات الاحتجاجية والاجتماعية، كما أن موظفي الهيئات والمؤسسات الأهلية المدنية أصبحوا جزءا من الطبقة الوسطى في المجتمع الفلسطيني، والمحسوب أغلبهم على اليسار الفلسطيني والتي أصدر وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس قرارا بإغلاقها قبل أيام بادعاء دعمها للإرهاب، وكان دور تلك المؤسسات وأطقمها لافتا في معظم الحراكات الوطنية والاحتجاجية بالفترة الأخيرة لعدم خضوعها لتأثيرات السلطة المباشرة، رغم قيام السلطة بقمع تلك الاحتجاجات والتي تتمركز في مدينة رام الله مما جعلها مركز النشاطات والفعاليات الاحتجاجية وآخرها وفاة الناشط نزار بنات.

ألقى الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس ظلاله على الحراكات الاحتجاجية والاجتماعية، وغابت الحراكات الميدانية المشتركة بين الضفة والقطاع، بينما شهدت الضفة الغربية وقطاع غزة حراكات منفصلة، تركزت حول قضايا محددة، وتراوحت نتائجها وإنجازاتها ما بين الضفة والقطاع، فقد شهد قطاع غزة أكثر من حراك احتجاجي تركز معظمها على مشاكل الكهرباء وانقطاعها، فيما جرى حراك آخر بسبب ارتفاع تكاليف الحياة وفرض حكومة حماس الضرائب على بعض المنتجات وخاصة السجائر والمحروقات، ولم تستمر تلك الحراكات لفترات طويلة بسبب غياب الروافع والمؤسسات والأطر التي من الممكن أن تقود تلك الحراكات، فيما واجهتها حماس بالقمع والقوة متهمة إياها بمحاولات إفشال حكم حماس في غزة ومتهمة السلطة الفلسطينية وحركة فتح بالوقوف خلفها، كما شهد قطاع غزة في الفترة الماضية مسيرات العودة والتي تم توجيهها من قبل حركة حماس وفصائل أخرى والتي كانت تحمل عناوين أخرى مرتبطة بحياة الناس وخاصة الحصار الإسرائيلي على غزة، ورغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها مسيرات العودة من مئات الشهداء وآلاف الجرحى، إلا أنها حققت بعض الإنجازات منها ما يتعلق بالمنحة القطرية وزيادة مناطق الصيد واستخدام المسيرات والبالونات والإطارات كورقة مفاوضات للضغط على إسرائيل لتخفيف حصارها.

أما في الضفة الغربية فقد حدثت بالسنوات العشر الماضية عدة حراكات، كان أكبرها حراك المعلمين الحكوميين بالعام 2016، المطالبين بتحسين رواتبهم وشروط توظيفهم، ورغم محاولات السلطة تسييسه والادعاء أنه يحمل أجندات خارجية أو أنه مدعوم من حركة حماس، إلا أن القائمين على الإضراب ومعظمهم من مؤيدي حركة فتح، قد استمروا إلى أن أصدر الرئيس محمود عباس جملة من القرارات حملت موافقات لبعض مطالبهم مما أدى إلى إنهاء الإضراب بعد أسابيع من بدئه والذي عمّ جميع محافظات الضفة الغربية. وحظي بدعم واسع من المجتمع الفلسطيني، كما حدثت حراكات احتجاجية ونجحت في تحقيق أهدافها، وخاصة الحراكات الرافضة لقانون الضمان الاجتماعي الذي أقرته السلطة ثم تراجعت عنه بعد الحراك القوي الذي شاركت فيه أعداد كبيرة من العمال الفلسطينيين ورجال أعمال ومشاركة حزب التحرير، ثم الحراك الرافض لقبول السلطة قانون سيداو قبل تراجعها عنه بعد الحراك الذي جرى بمشاركة شرائح مجتمعية محافظة وعشائرية وحزب التحرير الإسلامي أيضا، ورغم رفض السلطة للحراكات ووقوف بعض الفصائل إلى جانبها، إلا أن الحراكات استمرت وتصاعدت إلى أن حققت أهدافها ولو بشكل مؤقت.

كشف نجاح حراك الضمان الاجتماعي وقانون سيداو القدرة العالية على حشد الجماهير، وتنظيمها والنزول للشوارع وصولا لتحقيق أهدافها، والتي نجحت في حشد أعداد كبيرة عجزت كبرى الفصائل حشدها، كما أحداث أيار الماضي التي اندلعت بعد أحداث المسجد الأقصى والشيخ جراح والتي اندلعت بشكل سريع لتشمل كل الجغرافيا الفلسطينية من البحر إلى النهر والتي كشفت المخزون الوطني الكبير لدى الشعب الفلسطيني، والذي يحتاج لمجموعة من العناصر الرافعة لتتم ترجمته في حراكات وطنية واحتجاجية مجدية في بيئة ثبت دعمها للحراكات الاحتجاجية رغم الانقسام السياسي وغياب البنى الخاصة بقيادته، إضافة لمعوقات الاحتلال وآخرها قرار وزير الجيش الإسرائيلي إغلاق أهم مؤسسات أهلية مدنية كان لها النصيب الأكبر في الحراكات الوطنية والاحتجاجية والاجتماعية.

المساهمون