"فزاعة سقوط السلطة".. محاولات لفرض القبضة الأمنية وتعزيز دور عباس

"فزاعة سقوط السلطة الفلسطينية".. محاولات لفرض القبضة الأمنية وتعزيز دور الرئيس عباس

23 سبتمبر 2022
محاضر: هناك ربط صريح بين ما قامت به السلطة بنابلس وكلمة عباس بالأمم المتحدة (الأناضول)
+ الخط -

انتهت المواجهات والاشتباكات المسلحة في مدينة نابلس في الضفة الغربية بين المقاومين وأجهزة الأمن الفلسطينية، وعاد الهدوء، أو هكذا يبدو، وهو هدوء نسبي تحت سطح يغلي من التوتر المتواصل، عكسه اعتقال أجهزة أمن السلطة عشرين مواطناً على خلفية "أحداث نابلس"، فيما يُبقي المقاومون أعينهم على السلطة، و"هل ستنصاع للاحتلال وتعيد الكرة باختطاف مقاومين آخرين وتضيّق الخناق عليهم في نابلس وجنين؟".

وعشية كلمة الرئيس محمود عباس السنوية في الأمم المتحدة، اليوم الجمعة، حوّلت السلطة الفلسطينية المواجهات بين المقاومين والاحتلال إلى مواجهة وأزمة بينها وبينهم، لتقوية موقف الرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة، وإظهار السلطة بموقف القوي الذي لم يفقد سيطرته على الأرض من جهة، وأنها ما زالت "تواجه" حركة "حماس" من جهة أخرى.

قرار سياسي

وقال المحاضر في العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس حسن أيوب، لـ"العربي الجديد"، إن "رسالة السلطة بالسيطرة على الأرض في الضفة الغربية وأنها قوية هي الرسالة التي أراد المستوى السياسي الفلسطيني إرسالها عشية كلمة الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، اليوم الجمعة، في الأمم المتحدة".

وتابع أيوب: "اعتقال مطلوب مهم بوزن مصعب اشتية، المحسوب على حماس، هو قرار سياسي وليس أمنيا، وخاصة بالأشهر الأخيرة التي تصعد فيها أسهم المقاومين، سواء (كتيبة جنين) في جنين أو (عرين الأسود في نابلس)، إلى حد غير مسبوق في الأشهر الماضية في الشارع الفلسطيني، وبالتالي عملية الاعتقال مدروسة تماما".

وأضاف: "جاءت عملية الاعتقال بعد كل الضغوط العملية التي مارسها الاحتلال على السلطة بأنها فقدت زمام السيطرة على الأرض، وبالتالي عملية الاعتقال هي لتظهر السلطة أنها ما زالت قوية على الأرض، وبما أن المطلوب اشتية محسوب على حركة حماس، فهذا يعطي السلطة مبررات إضافية لتقولها للعالم بأنها قادرة على مواجهة الحركة ومقاومتها المسلحة في الضفة الغربية، وأن السلطة قادرة على ضبط المقاومين، وهذا ربط صريح بين ما قامت به السلطة في نابلس وكلمة الرئيس أبو مازن اليوم في الأمم المتحدة".

لكن السلطة وجدت نفسها في مواجهة الشارع، الذي اصطف ضدها، ليس فقط في مدينة نابلس، التي تحولت لساحة حرب حقيقية، بل امتد الاحتكاك والتوتر بين السلطة والمقاومين والشارع لعشرات نقاط الاحتكاك على امتداد الضفة الغربية، حيث خرج مقاومون ومسلحون في "بلاطة" و"عين بيت الماء" في نابلس، و"نور شمس" في طولكرم، و"قلنديا"، شمال القدس، و"الأمعري" و"الجلزون" في رام االله، ومخيم الفارعة في طوباس، في مشاهد عكست حجم الأزمة بين السلطة والشارع من جهة، وأعطت صورة لما سوف تؤول إليه الأمور في اليوم التالي لغياب الرئيس عباس.

ورغم اليوم الدامي الذي شهدته نابلس، يوم الثلاثاء الماضي، عقب اعتقال السلطة مصعب اشتية، وأسفر عن قتل مواطن وجرح العديدين، وما تبعته من اعتقالات سياسية، إلا أن السلطة ما زالت تتلقى التقريع من الاحتلال بأنها لم تفرض سيطرتها وتقمع المقاومين المسلحين كما يجب، وهو أمر دفع محافظ جنين أكرم الرجوب، يوم الخميس، للقول في تصريحات لإذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي: "إن على الإسرائيليين أن يمنحوا قوات الأمن الفلسطينية الفرصة، لا أن يدخلوا لهدم البيوت وقتل الناس، ثم يطلبون منّا العمل!".

"فزاعة سقوط السلطة"

ويرى مراقبون وسياسيون أن "فزاعة سقوط السلطة" التي ظل قادة الاحتلال وإعلامه يرددها خلال الأسابيع الثلاثة الماضية كادت أن تتحول إلى حقيقة في أحداث نابلس.

وقال محافظ نابلس إبراهيم رمضان، قبل يوم واحد من أحداث نابلس، لصحيفة "إسرائيل اليوم"، حسب ترجمة موقع "مدار" الفلسطيني: "نحن في الطريق لفقدان السيطرة إن استمرت إسرائيل في الاعتقالات، وفي قتل الفلسطينيين، وفي اقتحام المدن والقرى الفلسطينية، ستتسبب هذه الممارسات في انهيار السلطة وتفككها، وفي النهاية إسرائيل عليها استلام المفاتيح وإدارة الأوضاع".

واستبعد سياسيون فقدان السلطة السيطرة، مؤكدين أن السلطة ما زالت تتمتع بقوة مادية كبيرة مدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، ومركباتها العسكرية المصفحة التي تحاكي المركبات الإسرائيلية شكلاً ولوناً، والتي جابت شوارع نابلس لفرض السيطرة، ونشر عشرات القناصة من رجال أمن السلطة الذين اعتلوا المباني العالية في المدينة وأطلقوا الرصاص الحي على أبناء الشعب الفلسطيني، كلها علامات أن قبضة السلطة الأمنية ما زالت من حديد، رغم تلاشي شرعيتها السياسية والضربات المتلاحقة لشرعيتها الوطنية والأخلاقية بعد اعتقال المقاومين والاتهامات بممارسة التعذيب في حقهم.

كان من اللافت انشغال السلطة إلى حد الهوس بتنظيف وسط مدينة نابلس الذي كان عبارة عن ساحة حرب يوم الثلاثاء

وكان من اللافت انشغال السلطة إلى حد الهوس بتنظيف وسط مدينة نابلس الذي كان عبارة عن ساحة حرب يوم الثلاثاء، حيث انشغل مئات من العناصر الأمنية والمدنية بتنظيف وسط المدينة بكميات كبيرة من المياه وجمع حطام يوم من المواجهة، حتى قبل أن يتوصل محافظ نابلس إبراهيم رمضان لتفاهم مع الفصائل يعيد الهدوء الحذر إلى المدينة بتفاهم معلن، وكأن السلطة بعملية التنظيف الكبيرة تريد أن تقول "لم يحدث شيء هنا".

أبعاد عدة

وقال المحاضر في جامعة بيرزيت عبد الجواد عمر، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك أكثر من بعد لهذا الفعل الذي درجت السلطة على القيام به بعد أي مواجهة مع الناس، وبعد اقتحام الاحتلال مدينة رام الله تحديداً، منها أن السلطة تريد تقزيم الحدث، وأنه لم يكن مهماً، والدليل أن كل شيء عاد لمكانه".

وأضاف عمر أن "هناك بعدا آخر أن السلطة لا تريد أن تدخل حيز الصراع مجموعات أخرى من الناس مرتبطة بالمنظومة بشكل أو بآخر، عندما ترى الدمار، وأمر آخر يتعلق بأن السلطة لا تريد أن تخسر موقف المجموعة المحايدة أو الصامتة تجاه ما يجري، وذلك عن طريق تنظيف كل أثر حتى لا يروا شيئًا على الأرض".

وفي السياق ذاته، امتنع الإعلام الرسمي للسلطة الفلسطينية من تلفزيون وإذاعة والوكالة الرسمية (وفا) عن الحديث عن "أحداث نابلس"، لكنه تطرق للحديث عن تفاهم التهدئة دون نقل ما جرى على الأرض.

ونص التفاهم الذي توصلت إليه لجنة التنسيق الفصائلي في محافظة نابلس، فجر الأربعاء، على إنهاء ملف المعتقل اشتية بصورة "مرضية" لم يتم توضيحها، علما أنه تم نقله من نابلس إلى سجن "أريحا" المعروف بسمعته السيئة بتعذيب المعتقلين السياسيين، ولعل أهم ما جاء في الاتفاق "اعتبار المطاردين للاحتلال في البلدة القديمة من مدينة نابلس حالة وطنية، والتعهد بعدم ملاحقتهم بدواع أمنية، إلا في حالة الخروج عن القانون".

ويلخص هذا البند ما آل إليه وضع المقاومة في ظل السلطة، حيث بات يوصف المقاومون بأنهم "حالة وطنية" بين قوسين، كما جاء في بيان لجنة التنسيق الفصائلي حرفيا.

أما بالنسبة "للتعهد بعدم ملاحقتهم بدواع أمنية إلا في حالة الخروج عن القانون"، فهناك قائمة طويلة من الشهداء الذين استشهدوا منذ معركة "سيف القدس" في مايو/ أيار الماضي، تمت ملاحقتهم واعتقالهم وتعذيبهم دون أن تكون لديهم أي مخالفة قانونية، حيث تركز التحقيق معهم وتعذيبهم بسبب حملهم السلاح ضد الاحتلال، مثل الشهيد جميل العموري، الذي استشهد في يونيو/ حزيران الماضي، وصولا إلى الشهداء إبراهيم النابلسي وإٍسلام صبوح اللذين اعتقلا في سجون السلطة، واستشهدا في التاسع من أغسطس/ آب الماضي، في عملية عسكرية في نابلس.