إخوة نتنياهو وإخوان بينت

إخوة نتنياهو وإخوان بينت

08 يونيو 2021

نتنياهو (يسار) وبينت (يمين) يخاطبان مؤديهما في القدس وتل أبيب (24/3/2021/فرانس برس)

+ الخط -

على العكس من المأثور الديني السائد عن قصة النبي يوسف مع إخوته الغيورين الحاسدين، الذين ألقوا الفتى المظلوم في الجبّ، ثم أبلغوا أباهم الطاعن في السن أن الذئب أكل ابن يعقوب، يأخذ بنيامين نتنياهو، وطبعاً من دون تشبيه، مع إخوته الأوغاد (ليبرمان وبينت وساعر) صورة الأخ الأكبر الظالم، لا المظلوم. ويتجلى المشهد الراهن مع أبناء بيته الليكودي العتيق، أي مع أولئك الذين ألقاهم الأب النزق تباعاً على قارعة الطريق، أهانهم نبذهم واستصغر شأنهم، إلى أن سنحت لهم، أخيراً، الفرصة المواتية لتسوية بنود فاتورة الحساب المتراكم، ومن ثمّة تسديد ضربة الانتقام بشقّ الأنفاس.
إخوة نتنياهو، هؤلاء الذين لم ينازعوه يوماً حول أي مسألة سياسية، ولم يناكفوه في أيٍّ من الموضوعات الأيديولوجية، بما في ذلك العدوان والاستيطان، استجمعوا كل ما تبقى لديهم من قوة، تحالفوا مع خصومهم، وأطاحوه بالضربة الفنية القاضية، وسط ضجيج معركةٍ بدت، من ألفها إلى يائها، معركة محض شخصية، وكيدية بالكامل، تماماً على نحو ما أوقعه المتغطرس الكذّاب ذات يوم مع كل منافسيه المحتملين، خصوصا مع هذا الثلاثي المفعم بروح الكراهية، ضد المتربّع على عرش الحياة السياسية الإسرائيلية، بلا منازع يعتدّ به.
وفيما كان إخوة نتنياهو يقلبون الطاولة على رأس صديق ترامب سيئ الذكر، وينالون منه هذه المرّة، كان إخوان خليفته المحتمل، نفتالي بينت، يأتون من الهامش خفافاً، من دون استحياء، كاسرين الخط الأحمر، ضاربين قواعد اللعبة، متجاوزين كل محرّم وطني، في مشهدٍ تجلت فيه مظاهر الأسرلة، بما فيها من غيبةِ وعي، وتماهٍ مع منطق الهوية المنقوصة، ناهيك عن الدونيّة في رتبة المواطنة، ليقيموا كومونة يمينية فاشية قصيرة العمر، على نحو ما نطق به انضمام القائمة العربية الموحدة، ذات الخلفية الإسلامية المضطربة، وذلك مقابل وعود خلبية، وفتات طعام بائت، وقليل من مكاسب جزئية.
والحق أن هذه الهرولة من جماعة إسلامية، تقامر بكامل سمعتها ورصيدها على مائدة القمار الإسرائيلية، كان أمراً صادماً، ليس فقط لشركائها في الجماعة الوطنية والقومية داخل الخط الأخضر، هؤلاء الذين انخرطوا في هبّة القدس أخيرا بكل قوة، وإنما أيضاً للكل الفلسطيني في الداخل والخارج، بمن في ذلك المكوّن الإسلامي، الذي عضّ على جرحه، وآثر التواري عن الأنظار أمام هذه الهرولة التي أتت في لحظة مشرقة، أبلت فيها حركة المقاومة الإسلامية أحسن البلاء في معركة الدفاع عن بيت المقدس وإسناد المسجد الأقصى.
ولعل أشد الخسائر الكامنة في مجرى هذا التهافت، من جماعةٍ إسلامية المنهج والخطاب والعقيدة، ماثلٌ في التنازل طوعاً عن الرواية، والنزول عن الجبل قبل نهاية المعركة، طمعاً في الغنيمة، وتسويغ ذلك بمبرّراتٍ نفعيةٍ عابرة، ناهيك عن الخروج على أهداف جامعة بين سائر الأحزاب والقوى والشخصيات المناضلة لانتزاع الحق في المساواة وفي المواطنة والحقوق المدنية، جنباً إلى جنب مع الدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية، على نحو ما كانت عليه، دائماً، نضالات الضلع الثالث (عرب 48) أو قل رأس الحربة، في الهرم الديمغرافي لشعبٍ وزعته النكبة، ومن ثم النكسة، في معازل مشتتة.
على أرضيةٍ كوّنتها مشاعر كراهية شخصية، خاليةٍ من أي اعتبارات سياسية، أعد إخوة نتنياهو العدّة اللازمة لطرده من المملكة التي تربع عليها اثنتي عشرة سنة، وهذا أمر حسن على أي حال، على الرغم من أن هؤلاء المتردّين عليه هم أكثر تطرّفاً من "الملك" نفسه، لكنهم، لحسن الحظ، أقل منه دهاءً ومكراً وقدرة على المراوغة، إلا أن من سوء الطالع ولعنة الأقدار أن يقع بعض قصار النظر من ذوي القماشة الإسلامية على وجوههم، هكذا، وهم يطاردون خيط دخان، يتراكضون خلف منافع صغيرة، ضاربين مبادئ الإجماع الوطني بخفّة شديدة، ومعها كل الثوابت والمشتركات المُجمع عليها تاريخياً.
لقد حاول منشئ هذه المطالعة، بكل ما لديه من معرفةٍ نظريةٍ بواقع مجتمع عرب 48، وبكل ما يتسم به من اعتدال وواقعية، أن يتفهم مرافعات الحركة الإسلامية الجنوبية عن هذه الخطوة، وأن يجد لها بعض المبرّرات المعقولة، لتقبل فعلتها الانشقاقية على مضض، غير أنه بعد أن قرأ بيانها، واستمع إلى أقوال مؤيديها وخصومها من المجتمع المخاطَب بهذه القفزة المتهورة، لم يعثر على ما يسوّغ هذه السقطة التي أحرجت سائر فروع الشجرة الإخوانية الممتدة، وألزمتهم الصمت المطبق، درءاً لمزيدٍ من دوي هذه الفضيحة المجلجلة.

45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي