ضد اختزال الأخلاق في الجسد

ضد اختزال الأخلاق في الجسد

21 مايو 2014
+ الخط -
لوزير الإعلام المغربي، مصطفى الخلفي، كامل الحق في أن يعبر عن خجله من نفسه، وهو يشاهد بعض البرامج والمسلسلات على القناة الثانية المغربية المتناقضة، من وجهة نظره، مع قيم المغاربة الأخلاقية؛ فهو، في آخر المطاف، كان منسجماً مع مرجعية انتمائه الدعوي والحزبي.
وهذا لا يعني أنه ليست لنا مؤاخذات عديدة بشأن "الأخلاق" التي يحاول الحزب "الحاكم" الدفاع عنها، باعتبارها، في نظره، الحل السحري الذي سيخلص المغاربة من جميع الآفات الاجتماعية والاقتصادية، علماً أنه من الصعب جدا الحديث عن "قيم الأخلاق والفضيلة" في مجتمعات يصعب جداً حصر مشكلاتها وأزماتها من فقر وبطالة وفساد ورشوة ونفاق ومحسوبية و..و..و..؛ وهنا طبعا لا أختزل الأخلاق في الجسد وجغرافيته.
الأخلاق، سيدي الوزير، آخر ما يفكر فيه مواطن مغربي يعيش صراعاً يومياً مع تكاليف المعيشة، المرتفعة جدا، ومع مستشفيات تفتقر لأبسط شروط الاستشفاء، ومع مؤسسات تعليمية أصبحت بالنسبة إليه مرادفا للاغتصاب، والتجهيل والعنف، وليست مرادفاً للعلم والمعرفة والأمل في المستقبل.
رد فعل الوزير مصطفى الخلفي الغاضب تجاه برامج يراها غير أخلاقية ذكرني بالضجة التي أثيرت قبل نحو عامين، بشأن ما وصفوه بخطوة غير مسبوقة، تمثلت في إرغام القناة الثانية على بث أذان الصلوات الخمس، وكأن جميع مشكلات المغاربة وجدت طريقها إلى الحل، ولم يتبق منها سوى مشكل واحد، وهو جعل "دوزيم" تخبرهم بمواقيت الصلاة.
كان المغاربة ينتظرون من حكومتهم أن تحرر الإعلام العمومي من الرقابة والتضليل والمونتاج، وتجعله ينقل الصورة كما هي، من دون مكياج، في محاولة لإقناعهم بالعودة، فضائيا، إلى وطنهم بعدما هجروه (فضائيا) سنوات طويلة، اقتناعاً منهم أنه ما عاد يشفي جوعهم الإعلامي. المغاربة باختصار لم يكونوا أبداً ينتظرون منكم أن تختزلوا إصلاح القناة الثانية في بث الأذان، ما دام مؤذن مسجد الحي يقوم بهذه المهمة على أحسن وجه.
فأين كان خجل السيد الوزير عندما غادر الوحش "دانيال" أبواب السجن، وهو الذي هتك عرض أطفال في عمر الزهور؟ وأين كان الخجل نفسه عندما نشر نشطاء على موقع "يوتوب" شريط فيديو لطفل مريض عقلياً، قضى حوالي ست سنوات مربوطاً في بيت آيل للسقوط، بعد أن رفضت مستشفيات الوطن استقباله للعلاج؟ وأين كانت "اللهم ما هذا منكر".
 معالي الوزير، عندما وضعت امرأة، نواحي مدينة تاوريرت، مولودها على رصيف المستوصف، بعد أن وجدت أبوابه مسدودة؟
الأكيد والمؤكد أن حزب العدالة والتنمية نزلت به الشعبوية، والمصالح الحزبية الضيقة، إلى درجة توظيف الأخلاق، كما يفهمها الإنسان العادي، المغلوب على أمره، بسبب الأمية والجهل، وليس توظيفاً شاملاً للأخلاق أن يصنف "المليارات المهربة إلى الخارج" ضمن الجرائم الأخلاقية التي تستوجب تقديم الحكومة استقالتها، ما دامت عاجزة عن إرجاع تلك الأموال إلى وطنها الأصلي.
وطبعاً، هذا الخطاب الأخلاقي المشوه هو نفسه الذي جعل وزيراً، قبل أسابيع، يطرد صحافية من قاعة البرلمان، بسبب لباسها "المستفز" لأخلاق السيد الوزير.
المغاربة في أمس الحاجة إلى وزراء يخجلون من أنفسهم (وذلك أضعف الإيمان( من مشاهد الفقر والبؤس والحرمان والتشرد والضياع على جغرافية الوطن، وليس من قفطان مغربي شاءت الظروف أن لا يصبح أصيلا، تماما مثل كلام حزب العدالة والتنمية في الفساد والمفسدين، مباشرة بعد تنصيب حكومته!
 
EE5BF85B-B5BE-45D1-99C0-1F89EAA1C9F3
EE5BF85B-B5BE-45D1-99C0-1F89EAA1C9F3
جمال العبيد (المغرب)
جمال العبيد (المغرب)