2014: "داعش" مرّ من هنا

2014: "داعش" مرّ من هنا

27 ديسمبر 2014
+ الخط -
عام "داعش". هكذا يمكن وصف العام 2014. هكذا سيذكره التاريخ بطبيعة الحال. عام التنظيم الأكثر غموضاً، على الرغم من ضوضائه، في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر. لا تكمن المسألة في "داعش" فحسب، بل تتمحور حول مدى الاستفادة منه، ومن ديمومته، لتمرير التفاهمات والتحالفات التي نشأت وستنشأ. كان ظهور التنظيم، مع كل شراسته ودمويته، حاجة سياسية لقوى عدة، بالتوازي مع إفرازات الواقع الميداني، بما فيه استغلال غبنٍ طائفي، وتخلّي العالم عن فئة محددة. كان طبيعياً أن "ينبت" التنظيم، وسط هذه الحمأة.
ساهم كثيرون في تثبيت "كادر" الصورة الجديدة في الشرق الأوسط. بعضٌ موّل، وبعض سلّح، وبعضٌ نشر حكايات "التنظيم المرعب"، قبل أن يأتي الصحافي الألماني، يورغن تودنهوفر، و"يقتحم" قلاع "داعش"، كاشفاً عن أسس دولة فعلية، يتم تثبيت دعائمها بين سورية والعراق. ليست "دولة الخلافة" مجرّد وهم أو خيال جامح لدى بعضهم، بل أضحت واقعاً إلى حدّ ما، لا يحتاج إلى وقت كثير ليستنسخ أشباهاً له في كل بقعة من الشرق. بات أكيداً أن "داعش" فرض وسيفرض رسم خريطة سياسية جديدة، في منطقة اعتادت على رسم الخرائط الجيوبوليتيكية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918).
كان شهر يونيو/ حزيران الماضي مفصلياً. يُمكن قياس كل شيء على أساس أن "ما قبل سقوط مدينة الموصل العراقية غير ما بعدها". ليس فقط على المستوى العراقي، بل السوري والخليجي والعربي والدولي أيضاً. بات التنظيم معياراً لكل مفهوم سياسي. فجأة، وجد "داعش" نفسه على خلاف مع الجميع، لكنه، وبقدرة قادر، تمكّن من مواجهة الجميع، حتى الآن. العراق نموذجاً. بلاد الرافدين تشهد تقاطع مصالح كبير بين الأميركيين والإيرانيين، تحديداً عبر غارات الفريقين على مواقع "داعش" في العراق. عين العرب السورية أضحت معبراً لتسريع التفاهم بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجلان. عرسال اللبنانية في عين الإعصار، في ظلّ استمرار أسر جنود لبنانيين، فضلاً عن إعدام بعضهم. الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، في قبضة "داعش"، بعد إسقاط طائرته، في أثناء مشاركته في غارات التحالف الدولي ضد التنظيم. لـ"داعش" حسابات عدة، مع دول الجوار، على ما يبدو.
يثير التحالف الدولي، بحدّ ذاته، علامات استفهام عدة، خصوصاً إذا ما قسنا الغارات على "داعش" التي لم تفلح، حتى الآن، سوى في أمرين: منع وصول التنظيم إلى عاصمة إقليم كردستان، أربيل، ومنع سقوط عين العرب بيده، وذلك بعد مضيّ حوالي الستة أشهر من بدء الغارات. وهي أهداف خجولة، قياساً بالغارات الأميركية على يوغوسلافيا السابقة، بغية سحب القوات اليوغوسلافية من كوسوفو. لم تستغرق الغارات، في حينه، أكثر من ثلاثة أشهر (مارس/ آذار إلى يونيو/ حزيران 1999)، تلاها تفكك ما تبقّى من جمهورية جوزيف تيتو.
في الواقع الميداني، ربما قد لا يكون "داعش" أقوى من بعض جيوش المنطقة أو تنظيماتها، لكن الحاجة إليه هي ما تبرّر الضربات "الضعيفة" له. فوجوده بات يُشكّل الضمانة الأساسية لإزاحة الجبال من مكانها. تعلم قيادة التنظيم ذلك، ولعلّها أرادت من الاستعجال في إعلان "دولة الخلافة"، بعد سقوط الموصل، الاستفادة من اللاقرار الأممي للسيطرة على أدقّ مناطق الشرق الأوسط، المرتبطة بالحدود العراقية والسورية والتركية. البحر حاجة أساسية. لكنه مؤجّل حتى إشعار آخر. لا خطط فعلية لضرب "داعش" سوى الاكتفاء بالغارات، حتى يتم الانتقال إلى المرحلة التالية من القتال، في العام المقبل. انتهى العام 2014، بكل سلبياته وإيجابياته، لكنه ترك الأبواب مشرعة لعام آتٍ أكثر ضراوة. سيكون عام "الأشياء الكبيرة"، نوعاً ما. ففي الأفق ما ينذر بالكثير. وما قبل الموصل غير ما بعدها. فـ"داعش" مرّ من هنا.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".