تبرّعوا لإنقاذ الأغنياء

تبرّعوا لإنقاذ الأغنياء

07 ابريل 2020
+ الخط -
نواجه كارثةً، يواجهها الكوكب كله، ونحن من أقلّ المتضرّرين، وفقاً لأرقامنا الرسمية. نساعد غيرنا من مساكين أوروبا، لا بأس، يساعدوننا بدورهم. لدينا تقصير في إجراءات الوقاية، لا بأس، في إجراءات العزل، لا بأس. لم نغلق المواصلات، لم نغلق الأسواق، تركنا المعزولين في الفنادق، بعد أن صوّرناهم، ليدخلوا ويخرجوا، بل ويسجل بعضهم فيديوهات ليخبرونا بذلك، لا بأس. الآن نفتح باب التبرّعات لصندوق تحيا مصر لمواجهة كورونا. لا عيب، الكارثة كبيرة، ودولٌ كثيرة فعلت، لكنه ليس إجراء وحيدا، بل يسبقه غيره. "المنتفعون بالحياة" عليهم أن يدفعوا لإعادتها، لا زكاة، ولا تبرّعات، ولا صدقة يتبعها منٌّ من ساويرس أو أذى من صبور، إنما هي حقوق، وضرائب، وحلول عملية. فعلها غيرُنا، ضرائب مستحقة، على الثروة، وتخفيض واجب في أجور "الكبار"، مدفوعات لا تفقر الأغنياء، ولا تخلّ بالتزاماتهم، لكنها تُقيل عثرة المتضرّرين، الذين لولاهم ما راكم أصحاب الثروات ثرواتهم، ومن غير عودتهم وسلامتهم لن يكون هناك أغنياء ولا ثروات ولا حياة.
الجيش يساعد، وعمرو أديب يعايرنا، ويذكّرنا بأن لواءات الجمبري والطماطم والمعكرونة نفعوا في وقت الشدّة، مساعداتٍ من أموالنا، واستثمارات من لحمنا الحي. أوْلى بالسادة اللواءات تخفيض رواتبهم إلى النصف على الأقل، حتى نهاية الأزمة. أوْلى بعمرو أديب نفسه أن يفعل. جميعهم مليونيرات، ولن يضير ماكينة الضخّ أن تتوقف قليلاً، فالخزائن ممتلئة بما يكفي ألف كورونا. عبد الفتاح السيسي، وقيادات المجلس العسكري، بدورهم، لماذا لا يخفضون رواتبهم إلى النصف، لماذا لا يتنازلون عنها إلى نهاية العام؟ يتقاضون الملايين شهرياً، غير الاستثمارات، والعمولات، وما خفي، فما يضيرهم لو توقفوا قليلاً (من أجل مصر)؟!
يخبرنا نقيب الممثلين، أشرف زكي، أن مسلسلات رمضان لن تتوقف، وأن الفنانين يضحّون بأنفسهم من أجل توصيل رسالتهم. الأجور أيضاً لن تتوقف، ملايين أخرى. الدوري توقف، وعقود لاعبي الكرة مستمرّة، أحمد فتحي، لاعب بيراميدز، ورفاقه، أخبار ملايينهم تسبقهم، حقهم، ولكن من جيب من؟ هذه الأنشطة احترافية بالاسم، لكنها تحت سيطرة الدولة، وكفالتها. الدولة تنفق لتوجّه، فناً ورياضة وإعلاماً. فاتورة الرفاهية في زمن كورونا بالمليارات، وأصحاب المليارات يعايروننا بإعلانات دعمهم الفقراء، والأوْلى، لو كان هناك دولة، أن تتحوّل التبرعات إلى ضرائب وتخفيضات واستحقاقات.
ليس المطلوب أن تتوقف صناعة الدراما، ولا كرة القدم، ففي هذه الصناعات "غلابة" لا يتحمّلون توقفها. المطلوب هو تخفيض أجور الكبار لصالح الصغار، من يتقاضون عشرات الملايين، لصالح من يتقاضون الملاليم. ليس كثيراً تخفيض أجر فنان يتقاضى أربعة ملايين دولار في مسلسل ليصبح مليونين، ويذهب الفارق لآلاف الأسر التي دفعها الفيروس إلى البطالة الوقائية. ليس كثيرا تخفيض أجر لاعب تجاوز المليون دولار في الموسم الواحد، خلاف المكافآت، بنسبة 20%، ليس كثيرا أن ترفع الدولة يد الدعم عن هذه الأنشطة، ولو بنسبة لا تقل عن 50%، فنحن في كارثة!
هذه الحلول، وغيرها، اعتمدتها دول ومؤسسات كبرى في العالم بدافع المسؤولية، بريطانيا تحمّلت 80% من رواتب الموظفين غير القادرين عن العمل ثلاثة أشهر. الولايات المتحدة اعتمدت تريليوني دولار لمساعدة الأفراد والشركات الأكثر تضرّرا. الرئيس التنفيذي لشركة كولومبيا للملابس الرياضية خفض راتبه الشهري من 3,3 ملايين دولار إلى عشرة آلاف دولار، دعمًا للموظفين المتضرّرين من إغلاق نوافذ البيع. شركتا فورد وجنرال موتورز خفّضتا رواتب كبار الموظفين خمسة أشهر، حتى لا تضطرا لتسريح صغار الموظفين. تنازل رئيس شركة فيات كرايسلر عن راتبه بالكامل، حتى نهاية العام، والرئيس التنفيذي تنازل عن نصف الراتب ثلاثة أشهر. تنازل الرؤساء التنفيذيون لشركات، إد باستينان، وألاسكا، ويونايتيد، وليفت، ولوجان جرين، عن رواتبهم بالكامل ستة أشهر. هكذا يتصرّف الكبار لدعم الصغار، في بلاد الرأسمالية المتوحشة، فيما يطالبوننا، في بلادنا، بالعودة إلى العمل ومواجهة الموت إنقاذا لثروات رجال الأعمال، وفتح باب التبرّعات دعما لاستثمارات العساكر!