الصين ومعركة الصورة

الصين ومعركة الصورة

19 مارس 2020
+ الخط -
دخلت الصين معركتها مع فيروس كورونا وحدها تقريبا، وبصورة إنسانية قاتمة، فسجلّها في منظمة حقوق الإنسان متضخم جدا، وما فعلته في 2019 بشريحة الإيغور المسلمين للتضييق عليهم في أداء شعائرهم الدينية، استدعى تنديد 23 بلدا في لجنة الشؤون الاجتماعية والدينية والإنسانية والثقافية المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة! بالإضافة إلى هذا السجل الإنساني السلبي، عانت الصين من حرب تجارية معلنة مع الولايات المتحدة الأميركية، خصوصا على صعيد ما حدث في شركات الهواتف الصينية، وما نتج عنه من عقوبات، أبرزها وضعها على القائمة السوداء الخاصة بوزارة التجارة الأميركية. 
لهذا كله، بدت الصين، في حربها الاضطرارية المفاجئة مع فيروس كورونا المستجد، تحارب على أكثر من جبهة، والغريب أنها أجادت الأداء في تلك الحرب بمختلف الجبهات. وإذا كان العالم كله الآن يصفق لنجاح الصين في احتواء انتشار الفيروس في وقت قياسي، مقارنة بحجم البلاد جغرافيا، وعدد سكانها الكبير جدا، باعتبارها تمثل ربع سكان العالم، فإن النجاح الإعلامي كان هو المفاجأة الحقيقية لكثيرين، خصوصا في الإعلام التقليدي الغربي، والذي كان ينظر له كثيرون باعتباره المدرسة الأكثر نجاحا وانتشارا في العالم، وعلى مدى التاريخ بأسره.
سأتجاهل كل معطيات الإعلامي الصيني الذي استخدم كل شيء تقريبا، وهو البلد المنغلق على نفسه، محاطا بسوره العظيم وبسوره الأمني الأعظم، لأعلق فقط على الصور الفوتوغرافية التي حاول الصينيون تقديم أنفسهم للعالم من خلالها، باعتبار الواحدة منها، كما تقول أمثالهم الشعبية، تغني عن ألف كلمة. وهذا ما حدث فعلا، ووجدنا له أكثر من نموذج تلقفها الإعلام التقليدي والإعلام الجديد، وسرعان ما ساهم في انتشارها.
الغريب أن معركة الصين مع الفيروس لم ترشح منها صورة حرة واحدة تقريبا، فكل ما وصل إلينا منها لا بد أنه مر على المرشحات الرسمية الصينية، إن لم يكن قد التقط بعدساتها أصلا، والنتيجة صور تفيض بالإنسانية التي أنست الجميع ما سواها من حقائق مظلمة عن ديكتاتورية النظام الصيني، لا تجاه الأقليات الدينية وحسب، بل تجاه الصينيين كلهم.
رأينا مثلا صورا لملامح مؤثرة ومتقرّحة لوجوه طبيبات وممرضات صينيات، وقد خلعن الكمامات، بعد أن بقيت على وجهوهن فترات طويلة، ما أثار مشاعر العالم كله، ورأينا أيضا صورة مذهلة لبعض الأطباء والممرضين، وهم يخوضون وعورة الجبال وقممها الثلجية في طريقهم إلى قرى معزولة في بعض بقاع الصين لرصد مدى انتشار الفيروس فيها. ومن الصور الأخرى التي انتشرت عالميا صورة لطبيب صيني يصطحب مريضه المحتضر بالكورونا، وهو مستلق على سريره إلى خارج المستشفى وقت الغروب، ليودع ربما آخر لحظة غروب يراها في حياته. وصور أخرى كثيرة انتشرت أخيرا كلها تعيد ترتيب اسم الصين في قائمة الإنسانية العالمية. هذا بالإضافة طبعا إلى الحملة الإعلامية الإعلانية الكبرى التي سوقت فيها الحكومة الصينية باعتبارها استطاعت الانتصار في معركة كورونا بأقل الخسائر الممكنة، وقد عبرت عن هذه الحملة، بشكل بسيط ومباشر وجميل، صورة الأطباء الصينيين، وهم ينزلون من سلم الطائرة التي حملتهم من بكين إلى روما، حاملين معهم معوناتٍ طبية، حرصوا على أن يدوّنوا عليها أبياتا شعرية جميلة مختارة بعناية شديدة من الأدب الروماني القديم، ما جعلها تخلب ألباب العالم، وتجعله يتأكد من الانتصار الصيني الكبير. تقول تلك الأبيات: قصيدة رومانية قديمة: "نحن أمواج من بحرٍ واحد، وأوراق من الشجرة نفسها، وأزهار من الحديقة ذاتها "... وهذا فعلا ما ينبغي علينا جميعا أن نؤمن به حتى تستمر الحياة كما نشتهيها.
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.