لماذا تقتل يا أمان؟

لماذا تقتل يا أمان؟

08 فبراير 2020

سوديش أمان .. لماذا تم إطلاق سراحه؟ (أنترنت)

+ الخط -
فجأة انزاحت أسئلة "البريكسيت" من عناوين الصحف البريطانية، ليحل مكانها سؤالٌ واحد: لماذا تم إطلاق سراح سوديش أمان؟ 
سوديش هو الشاب الذي نفذ هجوم طعنٍ أصاب به ثلاثة أشخاص، قبل أن تقتله الشرطة، ليظهر أنه كان قد تم إطلاق سراحه من السجن قبل عشرة أيام فقط، بعد أن أمضى نصف عقوبته البالغة ثلاث سنوات. اعترضت الجهات الأمنية البريطانية لخطورته المحتملة، ولكن القضاء لم يجد سبباً قانونياً لاستمرار احتجازه، فتم إطلاقه بضماناتٍ، منها حظر سفره، ووضع سوار يحدّد موقعه. كما قرّرت شرطة مكافحة الإرهاب إخضاعه لمراقبة فردية مباشرة، ولذلك كان يلاحقه ضابط مسلح لحظة الهجوم، وهو من تدخل فوراً وأرداه قتيلاً.
كُشفت تفاصيل مروعة عن قضية أمان التي دين فيها بست تهم "حيازة مستندات تحوي معلومات إرهابية"، وسبع تهم نشر "منشورات إرهابية". بدأت القصة في 2018 حين عثر المدوّن الهولندي، مارك فان دينبيرغ، في سياق عمله الصحافي في مدونته المتخصصة بملاحقة التطرّف على منشورات الأخ في "تيليغرام"، فأبلغ الإنتربول.
تم القبض على الشاب، ووجدوا على جهازه ستة ملفات صُنفت مستنداتٍ داعمة للإرهاب، ثلاثة منها كانت عن فنون القتال بالأسلحة البيضاء والطعن! وجدوا محادثات على هاتفه تتضمن إرساله مجلة تنظيم الدولة الإٍسلامية (داعش) إلى مجموعةٍ على "واتساب" تضم أفراد أسرته الأصغر، وكذلك أرسل إليهم مقاطع فيديو لقطع الرؤوس. محادثات أخرى كانت مع صديقته التي حرّضها على قتل والديها. وفي محادثة أخرى، قال لها إنه لو لم يمكنها صنع القنابل فعليها أن تستخدم السكين أو تركب سيارة وتدهس الكفار.
وجهت الشرطة له تهمة "التخطيط لعمل إرهابي"، لكن القضاء اعتبر كل هذه القرائن غير كافية، فتم إسقاط هذه التهمة، ما أدّى إلى الاكتفاء بالتهم والعقوبة المخففة سالفة الذكر.
لم تذكر الصحف البريطانية الرئيسية أي تفاصيل عن أًصول أسرة الإرهابي، لأنه مولود في بريطانيا، لكن مواقع محسوبة على اليمين البريطاني ذكرت أن أسرته هاجرت من كشمير، واستدعى ذلك تحريضا معهوداً، خصوصا أنه تم ربط القصة بواقعة "جسر لندن" القريبة. في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قتل عثمان خان اثنين وأصاب ثلاثة، وذلك أيضاً بعد حصوله على إخلاءِ سبيلٍ مبكّر، وكانت المفارقة أنه قتل تحديدا شابّة وشابّا كانا متطوعين في برنامج لإعادة تأهيل السجناء ومساعدتهم، وكان هذا سبب وجود عثمان، حيث حضر الجلسة الأولى من الندوة.
توعد رئيس الحكومة البريطانية، بوريس جونسون، بزيادة انتقائية برامج الهجرة، كما توعد بتعديلات قانونية تسمح باحتجاز المدانين بالإرهاب فترات أطول. وهو هنا فيما يبدو يشير إلى العودة إلى أحد أكثر الملفات جدلية، قانون "الاحتجاز لحماية العامة"، والذي كان يسمح للقاضي بأن يُصدر حكماً بالسجن بدون سقف زمني على المُدان بالإرهاب، على أن يحقّ للجنة الإفراج المشروط إطلاق سراحه، لو رأت أنه قدّم ما يكفي لدعم طلبه. صدر حكم بهذه العقوبة على عثمان خان في فبراير/ شباط 2012، ولكن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قضت، في سبتمبر/ أيلول 2012 بإبطال هذه العقوبة. وهكذا تم إلغاء الحكم على عثمان ليتحوّل إلى السجن 16 عاماً، وهو ما تم اختصاره ليُطلق سراحه في نهاية 2018 على أن يُلزم بتثبيت السوار الإلكتروني.
بقدر ما لا يمكن إغفال الإشكالية الحقيقية في فشل المنظومات القانونية والقضائية الغربية الحالية في حماية مواطنيها، بقدر ما يناقش مجتمع الدراسات الأمنية العالمي كيفية الموازنة بين متطلبات الأمن وعدم التضحية بالمكتسبات الديمقراطية والليبرالية، وإلا فهذا بحد ذاته انتصار للإرهابيين باجتذاب الجميع لأرضيتهم، ولا يمكن إغفال إحرازهم نجاحات في ذلك بالفعل.
مؤسفٌ أن هذه القصة لا تستدعي في مخيلة بلاد عربية إلا المقارنة بما كان سيحدث لعثمان وسوديش في دولة عربية. وصحيح أن هذا كان سيمنع ارتكابهما الجريمة اللاحقة، ولكن المنظومة بالكامل التي تحوي مظلوميات مركبة، وأيضاً مكوناً دينياً محافظاً أو تنويرياً زائفاً، ستنتج نسخاً جديدة بأسماء مختلفة، وهو ما يفرض أسئلةً لا يبدو أن أهل الحكم في بلادنا قد يطرحوها طوعا ذات يوم قريب.