ورحلت المراهقة ماجدة

ورحلت المراهقة ماجدة

22 يناير 2020
+ الخط -
كانت تنطق عبارتها الرقيقة ببراءةٍ خطفت قلوبنا "عمّو عزيز" في فيلمها "أين عمري؟"، وهو من أصدق الأفلام التي طرحت مساوئ الزواج المبكّر وفارق العمر الشاسع بين الزوجين، وقد استدر هذا الفيلم دموعنا، عندما شاهدناه في سنين مراهقتنا حقا، فلا أحد يشعر بشعور المراهقة التي كانت تعتقد أن الزواج في سنٍّ مبكرة يعني التخلص من الواجبات المدرسية، والنوم حتى وقت متأخر من النهار، وارتداء الأحذية ذات الكعب العالي، والتزين بالمجوهرات، ثم فوجئت حين زواجها برجلٍ في عمر أبيها أنها قد دفنت حية، وأن فارق العمر بينها وبين "عمّو عزيز" الكبير قد حوّل حياتها إلى سجنٍ من جحيم، فإنْ كانت هناك عبرة من فيلمٍ يعتبر من روائع الراحلة ماجدة الذي يجب أن يعاد عرضه باستمرار، فهي أن علينا أن نكون قادرين على توفير حياةٍ آمنةٍ ومتكاملة الأركان من رفاهية وأمان لأولادنا وبناتنا، قبل أن نفكر بإنجابهم إلى الحياة، لكي لا يأتي الوقت الذي ترى فيه مراهقةٌ صغيرةٌ أن الزواج حتى من "عمّو عزيز" هو الحل والخلاص من حياةٍ بائسةٍ في كنف الوالدين.
رحلت المراهقة ماجدة عن عالمنا بعد عمر طويل، تاركة أدوارها الجميلة، علاوة على دورها في فيلم "أين عمري"؛ فدورها الخالد في فيلم "جميلة" لا يُنسى، وقد اعتقدنا أن ماجدة هي فعلا المناضلة الجزائرية لصدق أدائها، وقد ساد لدي هذا الاعتقاد فترة حتى صرت أرى صوراً حقيقية لجميلة بوحيرد، وهذا يدلّ على صدق الأداء، والذي وصلت إليه ماجدة بعد سنواتٍ من العمل الفني، فأصبحت قادرةً على التخلي عن المبالغة والافتعال والقيام بحركاتٍ تمثيليةٍ لتوصيل شعورها مثل تحريك رموشها الصناعية المستوردة من "هوليود" في بدايات السينما، للتعبير عن المفاجأة أو الخجل.
ماجدة الصباحي مثل كثيرين من أهل الفن الذين طالتهم الإشاعات، ومنها أنها يهودية، وهي التي أقامت مسجدا في أحد أرقى أحياء القاهرة، وقد أيد هذه الشائعة إشادة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، على صفحته في "فيسبوك" بالإشادة بها ونعيها، التنويه الكاذب أن التلفزيون الإسرائيلي، الناطق بالعربية، كان يخصّ أفلامها بالعرض في مساءات الجمعة من زمن مضى، وحيث كان فيلم الجمعة يستقطب المشاهد الإسرائيلي، قبل المشاهد العربي، قبل أن يولّي زمن تلفزيون الأبيض والأسود خصوصا، والبث ساعات قصيرة في اليوم. كنا ننتظرها بشوق ولهفة. ولكن أحد أفلامها لم يتناول قصة حبٍّ بين بطلة مشهورة رائعة الجمال وممثل من الدرجة الثانية لا يمتلك أي وسامة، مثلما حدث مع ماجدة في الحقيقة، حيث فوجئ الوسط الفني بخطوبتها لشيبوب السينما، سعيد أبو بكر، عدة شهور ثم فسخت، من دون أن تفسر أية أسباب للحب ثم البعد، لتروي ظمأ النساء وشغفهن، خصوصا لهذه العلاقة المتناقضة، فماجدة سبق أن تزوجت من دون جوان عصره الوسيم، إيهاب نافع.
كيف كان لدي الصبر لمتابعة فيلم ساعتين ونيف لماجدة، مثل فيلم "المراهقات". ولكن ذلك قد حدث في الماضي، يوم أن كنا لا نصنف مصير الناس بمجرّد موتهم، ما بين "جنة ونار" مثلما يحدث اليوم. وقد ظللت أحب حملقة عيني ماجدة، لأن أمي كانت تحب فيلمها الذي كان يعرض كل سنة، متزامنا مع إجازة نصف السنة للمدارس في غزة ومصر، وهو فيلم "إجازة نصف السنة". وكانت أمي تعيد تذكيرنا كل عام بأنها شاهدته في عرضه الأول في سينما مصرية، وتصرّ على مشاهدته، وتتحرق مشاهده، وتشدّنا نحو الآنسة الراقية التي ترفض وجود فرقةٍ من الراقصين في بيتها الريفي. يكفي أن يعاد عرض هذا الفيلم لماجدة، دلوعة السينما، فأتذكّر إشراق وجه أمي أمام الشاشة، لأنها كانت معلمة تنتظر على جمر حلول إجازة نصف السنة.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.