"25 يناير" المُخيف

"25 يناير" المُخيف

20 يناير 2020
+ الخط -
ربما هي المرة الأولى التي ينتظر فيها المصريون يوم 25 يناير، بكثير من الخوف. أولئك الخائفون ليسوا فقط ثوار "يناير" من الشباب، والمؤمنين بها المنكّل بهم وبسببها، ولا هم فقط المنخرطون في السياسة والعمل العام في مصر، فهناك أيضاً المواطنون العاديون أصحاب الحاجات والهموم الحياتية والانشغالات الشخصية جداً البعيدة عن السياسة في نظرهم. 
لدى ثوار "يناير"، وغيرهم من الداعين إلى رفض السلطة القائمة، مخاوف حقيقية من استحضار أجواء يناير، بسبب البطش الأمني غير المحدود الذي لا تحدّه قواعد ولا خطوط حمراء ولا سقف للا إنسانيته. وهي مخاوف مبرّرة ومفهومة، خصوصاً في ظل افتقاد بيئة حاضنة وأجواء مُهيأة للفعل الثوري. الأمر الذي يجعل أي تحرّك أو حتى تعبير عن حسٍّ ثوري، عملية انتحارية لا جدوى منها. يتعلق هذا الحديث بالطبع على من تبقى من ثوار يناير، بعد المحبوسين والمطاردين والمنفيين.
وحتى بمعايير السياسة التقليدية، لا العمل الثوري، يعاني المشهد السياسي المصري خواء شديداً. ليس فقط على المستوى التنظيمي، كأحزاب وجماعات وقوى سياسية، لكن أيضاً على مستوى الفكر والمشروع السياسي. إذ تفتقد مصر البديل السياسي المنظّم القادر على جمع المصريين واستقطاب الكفاءات منهم، ليس فقط لإطاحة النظام الحالي، لكن أيضاً على إدارة الأمور وقيادة "اليوم التالي". وهي المعضلة الحقيقية التي واجهت يناير، وجعلت مرحلة ما بعد تنحّي حسني مبارك سلسلة متواصلة من تفريغ الثورة وإجهاض نتائجها على نحو عميق ومتدرج. فقد تولى قيادة كل تلك المرحلة، سواء رسمياً أو فعلياً، من هم ضد يناير بالمطلق. فكان المسار كله عكس اتجاه يناير وأصحابه الحقيقيين.
أما المواطنون العاديون غير المعنيين بالسياسة، فمبرّراتهم كما هي، لم تختلف منذ يناير/ كانون الثاني 2011، فهمهم الأكبر الدائم استمرار الحياة اليومية، على الرغم من مشكلاتها ومصاعبها، فهم دوماً يخشون تعطل المصالح ووقف الأشغال وغياب الأمن. وعلى الرغم من المعاناة الشديدة التي يمرّون بها في كل مناحي الحياة وصعوبات ارتفاع أسعار السلع والخدمات وزيادة الاستقطاعات والرسوم والضرائب، يظل يناير بالنسبة لهم ذكرى سيئة، ترتبط في أذهانهم بإزاحة مبارك رمز الاستقرار و"الحال الماشي".
قبل هؤلاء وأولئك، تعتبر مؤسسات السلطة في مصر أكثر الأطراف خشيةً من ذكرى يناير، لا لشيءٍ سوى أنها تذكّر بلحظة انسحاق كل ما هو رسمي وسلطوي وانكساره، أمام الشعب، فعلى الرغم من الثقة الكبيرة في الإمساك بزمام الأمور، والسيطرة على الأوضاع أمنياً، يظل شبح ثورة يناير يطارد أعداءها، ويمثل لهم كابوساً سنوياً مرعباً، فالمفاجأة التي وقعت في يناير/كانون الثاني 2011 كفيلة بجعل هذا التاريخ موعداً سنوياً، تختفي عنده حالة الطمأنينة والثقة في الأدوات الأمنية.
ومما يفاقم مخاوف دوائر السلطة في مصر وقلقها أن يناير هذا العام يأتي بعد خروج تظاهرات معارضة تنادي بسقوط عبد الفتاح السيسي، للمرة الأولى منذ أكثر من خمس سنوات. ما يعني أن يناير حي لم يمت، بينما تهافتت الحجج وسقطت سريعاً الشعارات من شاكلة "مؤامرة الإخوان" ومواجهة "الإرهاب" وتحويل مصر إلى "قد الدنيا".
وبينما باشرت الأجهزة ودوائر السلطة ورجالها استعداداتٍ أمنية ولوجستية، لتمرير ذكرى يناير بفتور وصمت، يقوم معارضون في الخارج بمحاولات خجولة للتنسيق فيما بينهم، لإقناع الشارع المصري بالتحرّك. أما من في الداخل فلا يملكون الفرصة، ولا الجرأة، لأي تحرّك، لأنه سيكون مغامرة.
على الرغم من كل تلك المخاوف المرتبطة بيوم ذكرى يناير، يظل ما بعد 25 يناير أكثر مدعاةً للقلق، فمرور ذكرى ثورة يناير لا يعني انتهاء معطياتها أو تجاوز واقع جديد فرضته على الجميع، ولا يمكن الفكاك منه، وإن حاول بعضهم إقناع نفسه، أو إيهام المصريين بغير ذلك.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.