الخيارات الكردية وتركيا

الخيارات الكردية وتركيا

10 اغسطس 2019
+ الخط -
"تمسك تركيا الولايات المتحدة من اليد التي تؤلمها". هكذا يلخّص الأكراد مآل المفاوضات التي جرت بين أنقرة وواشنطن في الأسبوع الأخير، والذي أدى إلى قيام "ممرّ آمن" في الشمال السوري، من دون تحديد تفاصيله وحدوده. يرى الأكراد أن الأتراك، وبفعل سياستهم مع الروس، وقدرتهم على تثبيت تحالفهم معهم، قادرون على إزعاج الولايات المتحدة وفرض شروطهم عليها. منذ عامٍ تقريباً، كان الأتراك يعانون مع الأميركيين الذين فرضوا رسوما على الفولاذ بنسبة 50%، وعلى الألمنيوم بنسبة 20%، بغرض الضغط لإطلاق سراح الكاهن المحتجز في تركيا، أندرو برانسون. ونجحوا بذلك. وفي العام الحالي، بدا أن تركيا تعلّمت من الدرس السابق، ونجحت في تحقيق رغبتها في شراء منظومة "أس 400"، على الرغم من تهديد الأميركيين بتجميد صفقة بيع طائرات "أف 35" لتركيا.
من المفترض أن يمنع "الممر الآمن" قيام عملية عسكرية تركية في شرق الفرات، ويسمح للأكراد بالتقاط أنفاسهم بعد سنة عصيبة عملياً عليهم، سواء لناحية إعلان الرئيس الأميركي، ترامب، أواخر العام الماضي "انسحابه" من سورية، ثم تراجعه عن ذلك، أو لناحية عدم وجود داعمٍ دولي أو إقليمي يسمح لهم بتحقيق الحكم الذاتي أقلّه. عملياً، بات أمام الأكراد حل من اثنين: المواجهة في أي عملية عسكرية ولو تعرّضوا للهزيمة، أو التحالف مع النظام السوري الذي لن يمانع ذلك، شرط إعادة الأمور في المناطق ذات الأكثرية الكردية إلى ما كانت عليه قبل عام 2011. مع العلم أن النظام قد يذهب أكثر قليلاً، لناحية منح تعهّدات شفهية للأكراد، من دون الوصول إلى أيٍّ من صيغ الحكم الذاتي.
بالطبع، الخياران غير واردين للأكراد. في الخيار العسكري، الهزيمة تعني حكماً إنهاء أحلام "الإدارة الذاتية" والتراجع سنوات ضوئية عما وصلوا إليه. وفي التحالف مع النظام، الأمر دونه عقبات، لأن النظام لن يقبل بأي فريقٍ في الداخل السوري تربطه علاقات خاصة بدول بمعزل عنه. في المقابل، ليس الروس، الذين يسرّهم بيع منظومة "أس 400" في وارد التدخل لمصلحة الأكراد.
أمام هذا المأزق، خرج زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان بتصريحاتٍ لافتة، يوم الخميس، فقد نقل عنه محاموه أنه أكد استعداده للتوصل إلى حل للمسألة الكردية، مشدّداً على أن في وسعه وقف الصراع بين تركيا والمسلحين الأكراد خلال أسبوع. ووفقاً لبيان صادر عنهم، قال أوجلان إن "الأكراد لا يحتاجون إلى دولة منفصلة في ظل وجود إطار عمل يجدون فيه مكاناً لهم بما يتسق مع العلاقات التاريخية التركية الكردية". ونقل البيان عنه قوله: "أحاول إتاحة مساحة للأكراد، فيها نجد حلاً للمسألة الكردية". وأضاف: "أقول إن بإمكاني إنهاء هذا الصراع خلال أسبوع. أستطيع حله. لدي ثقة في نفسي وأنا مستعد للحل، لكن الدولة تحتاج لأن تفعل ما هو ضروري". مع العلم أن السلطات التركية رفعت حظراً فُرض على زيارة أوجلان منذ عام 2011 في مايو/ أيار الماضي، والتقى به محاموه وقتها للمرة الأولى منذ ثماني سنوات. ويبدو أوجلان المسجون في تركيا منذ عام 1999 مستعد لالتقاط لحظةٍ يخرج بها باتفاق تاريخي مع تركيا، على قاعدة أن "كل ما عدا الاتفاق هو دمار للأكراد".
في المقابل، الأميركيون ليسوا مستعدين لفقدان تركيا، وإن أوحوا بذلك. يسعون إلى الضغط من دون الكسر، فالتحالف التركي ـ الروسي في سورية خصوصاً بات متقدماً على ما عداه من أحلاف، وتجربة إدلب أظهرت أن في وسع بلدين، متناقضين في الملف السوري، العمل معاً على فرض رؤيتهما واتفاقهما. ولولا ذلك لما كانت "أس 400" وقبلها خط السيل الجنوبي. يضع الأكراد ذلك في بالهم: تركيا اليوم أقوى من العام الماضي، وعليهم التعامل مع الأمر بواقعية وذكاء.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".