هذه المفاجأة الهندية في كشمير

هذه المفاجأة الهندية في كشمير

08 اغسطس 2019
+ الخط -
ما الذي دفع حكومة حزب بهاراتيا جاناتا، القومي الهندوسي المتطرّف (والعنصري)، برئاسة الشعبوي، ناريندا مودي، في الهند، إلى دفع البرلمان إلى اتخاذ قرار يلغي مادة في الدستور تعطي ولاية جامو وكشمير (13 مليون نسمة) وضعاً خاصاً، يمكّنها من اتخاذ القرارات الخاصة بها من دون تدخل الحكومة المركزية في نيودلهي؟ ما هي بواعث هذا الإلغاء المفاجئ لمادةٍ حاضرةٍ في الدستور منذ 1947، تمنح الولاية حكماً ذاتياً، في خطوةٍ استبقتها السلطات بنشر 80 ألف عسكري في إقليم كشمير، تحسّباً من اضطرابات واحتجاجات متوقعة، وأتبعتها بفرض حظر تجول في عاصمة الولاية سرينغار؟ تستنفر باكستان سياسياً وإعلامياً، وتطرد السفير الهندي، ويُعلن رئيس حكومتها، عمران خان، إنه يتخوّف من نشوب حربٍ مع الهند، جرّاء القرار الذي طلب من زعماء العالم بأن ينتبهوا إليه. وربما تلجأ إسلام أباد إلى مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية بقصد إلغاء المرسوم الرئاسي الهندي، والذي اعتبرته "خطوةً أحادية" تكرّس "الاحتلال الهندي" لإقليم كشمير، والتي أضاف البرلمان الهندي إليها قرارَه تقسيماً لولاية جامو وكشمير.
بانتظار ما ستتدحرج إليه تداعيات المفاجأة الهندية، يمكن القول إن طوْراً جديداً من التوتر بالغ التأزم ستعبر إليه منطقة كشمير المتنازع عليها مع باكستان، والبادي أن مودي إنما يراهن على مزاج عالمي (أميركي خصوصاً) سييسّر له "ضما" جديدا لكشمير، من دون أكلاف سياسية واقتصادية مؤذية، ولو أن شيئاً من الصخب خارجياً سيحدُث بشأن هذه الخطوة، وداخلياً من حيث مظاهراتٍ واحتجاجاتٍ بدأت تدعو إليها أحزابٌ يسارية، وكذلك حزب المؤتمر الذي وصف المرسوم الرئاسي بعد تصويت البرلمان (موافقة 370 صوتاً ورفض 70) بأنه كارثي. وفي الوسع أن يحدس المراقب للمشهد هناك في شبه القارة الهندية بأن ناريندا مودي سيجتاز رميته المغامرة هذه بنجاح، وهو الذي لم يحتفظ حزبه، الهندوسي المتطرّف، في انتخابات مايو/ أيار الماضي النيابية، بالأغلبية التي كان قد حازها في انتخابات العام 2014، فقط، وإنما زاد عليها عشرين مقعداً جديداً (صار له 303 نواب من 542).
تتوالى الأخبار من إسلام أباد عن غضبٍ كبيرٍ في الجيش الباكستاني الذي أعلنت قيادتُه، فور ذيوع النبـأ الهندي بالغ الاستفزاز، وقوفه "بحزم"، مع الكشميريين "في كفاحهم العادل حتى النهاية". ولكن بياناً عسكرياً، ولو بهذه اللغة، ليس كافياً لترقّب اشتباكاتٍ عسكريةٍ واسعةٍ تأخذ البلديْن الجاريْن إلى حربٍ رابعةٍ بينهما، خسرت باكستان في غضون الثالثة (عام 1971) جزءاً من أراضيها صار دولة اسمها بنغلادش، ولم تفلح الأولى التي وقعت بعد تأسيس محمد علي جناح جمهورية باكستان الإسلامية، دولةً مستقلةً للمسلمين من مناطق شرق القارة الهندية وغربها، في أن تنجز تابعية "جامو وكشمير" إليها، فظلّت منطقة كشمير كلها مقسّمةً بين الهند وباكستان (والصين)، وتفيد إحصائياتٌ غير موثوقة تماماً بأن 90% من السكان مسلمون.
لا يخرج نزع حكومة ناريندا مودي الحكم الذاتي عن منطقة كشمير التابعة للسلطة الهندية عن مضي هذا البلد، بتسارعٍ ظاهر، إلى تصعيدٍ في العصبويات الإقليمية، ونقصانٍ في مقادير التعايش العام بين قومياته وأعراقه وأديانه وإثنياته، الأمر الذي يدلّ عليه، في شواهد وفيرة، العتاد الخطابي لحزب بهاراتيا جاناتا، الشعبوي النبرة كما يمثله تماماً رئيس الحزب رئيس الحكومة، ناريندا مودي، العتاد الذي يتسلّح بالاستثمار في الغرائز الدينية، الهندوسية غالباً، ومن وسائله في هذا كله التخويف العام من المسلمين، بالتأشير إلى "إرهابٍ" متوطّنٍ فيهم، وإلى استهدافهم جنود الدولة في كشمير مثلاً. والبادي أن النجاح الانتخابي (المذهل بحسب رويترز) في اقتراع مايو/ أيار الماضي، لهذا الحزب، يعزّز ميل ناريندا مودي إلى مزيد من المغامرات، وإلى عمليات اغتيالٍ نشطةٍ لكل الإرث الغاندي والثقافة العامة التي أشاعها طويلاً حزب المؤتمر الذي ينحسر حضوره ويضمر. وهذه التحالفات الوثيقة التي ينشط فيها مودي في تعزيزها مع أميركا ترامب ومع إسرائيل نتنياهو من بعض مظاهر تخصّنا نحن العرب
.. هذا هو السياق السياسي، الخارجي والداخلي، العريض والواسع الذي في وسع تعليق عابرٍ أن يُدرج فيه القرار المعلن أخيراً بشأن كشمير، أما التفاصيل فأهل مكّة أدرى بشعابها.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.