نساء.. صديقات

نساء.. صديقات

07 اغسطس 2019

(صفوان داحول)

+ الخط -
حذّرتني بشدة قائلة، قبل أن ترحل بأيام قليلة إثر نوبة قلبية: إياك أن تثقي بالصديقات، فالخيانة لا تأتي إلا من أقربهن إليك.. لم أكن أعلم أنها تقول ذلك وهي تعاني وجعا خفيا لا أعلمه، وجع خيانة الصديقة وقبولها الزواج من زوجها، حين علم الاثنان بمرضها الخطير، وبأن أيامها في الحياة أصبحت معدودة.
حكاية خيانة مؤلمة وقعت قبل يومين، حيث أدخلت إحدى الزوجات إلى قسم العناية الفائقة في المستشفى، بعد أن علمت أن صديقتها المقرّبة سوف تصبح الزوجة الثانية لزوجها. وملأت ممثلة مصرية الدنيا صراخاً مصدوماً، وهي تكتشف أن صديقة عمرها قد سرقت مجوهراتها الثمينة التي تقدر بملايين الجنيهات.
كثيرا ما سمعنا عن التحذير من الأصدقاء، وأن علينا الحذر من العدو مرة ومن الصديق ألف مرة. وحين كانت جدّتي، رحمها الله، توشك على نصحنا نصيحةً بجمل، ونحن نلتف حولها، فهي تهز رأسها ألما، وهي تقول: ما بيضرّك إلا حبيبك، ثم تروي لنا قصصا قديمة عن سرقاتٍ سرعان ما انكشف الغطاء عنها، وتبيّن أن السارق هو الجارة أو الجار. وقد سرق الواحد منهم عقدا ثمينا أو مبلغا علم مصادفةً مكانه حين فتح الصديق باب قلبه، أو أشرعت الصديقة مكامن سرها، وكانت النتيجة التي عمّمتها جدتي، وهي ترفع سبابتها محذرة: "ما بيخونك إلا اللي بيدخل بيتك".
ربما، لأجل قصص كثيرة، وحوادث عديدة غريبة عشناها وسمعنا عنها، يأتي حديثي متأخرا عن اليوم العالمي لأحد المستحيلات الثلاثة، ونتساءل: هل ما زال هناك أصدقاء حقيقيون في هذا العالم الخرب، وفي هذا الزمن الذي طغت فيه المادة، وأصبحت المصالح تحكم الصغار والكبار؟ تكون الإجابة بمطّ الشفتين، بمعنى أن ذلك نادر. ولكن دعونا لا نسرف في التشاؤم، ونقول إن الخير لا يزال موجودا، وإن هناك أصدقاء هم بمثابة الآباء الجدد، طالما أن الآباء هم أصدقاء قدامى.
يرى علماء النفس أن الصداقات الحديثة في العالم الافتراضي ليست حقيقية، وتنبني على كذبات متتالية، أو على صورة جميلة يرسمها كل طرف. ولذلك هي لا تدوم، بل تنتهي بمجرد أن يلتقي طرفاها على أرض الواقع، في حين أن الصداقات الواقعية التي استمرت سنوات، ثم وثقت من خلال العالم الافتراضي، لأن الحياة الصعبة جعلت من اللقاء أمرا مستحيلا أو مكلفا، فلا أحد يملك الوقت، والكل يركض، والجميع يلهث، والحياة من حولنا تضج بالمتطلبات والطلبات. ولذلك، الصداقات الحقيقية تبقى تراوح مكانها عبر تحيات عابرة أو حوارات قصيرة، ولكن المشاعر تبقى حقيقية. وهذا ما أكدته دراسة قام بها فريق بريطاني على أصدقاء استمرت علاقتهم أكثر من ربع قرن، في حين أن أصدقاء "فيسبوك" مثلا لم تصمد علاقاتهم أمام أول مواجهة فعلية.
أدين للعالم الافتراضي أنه قد جمعني بصديقاتٍ ظننت كل الظن أنني قد فقدت أثرهن. وعلى الرغم من أنني حاولت الوصول إلى طرف خيطٍ، يدلني على الواحدة منهن، ولكن ذلك لم يحدث. أما موقع "فيسبوك" فقد أفلح بذلك وبجدارة، ولأنه شبكة عنكبوتية فقد جمعت عدة خيوط، وسرت وراءها، حتى التقيت بصديقتين، لهما مكانتهما في قلبي. وعلى الرغم من السنوات الطويلة، ظلت الذكريات الطيبة والمواقف النبيلة محفورة في داخلي. ويبدو أن الصداقة الحقيقية التي احتفل العالم بيومها قبل أيام تعيد رسم نظرتنا إلى الحياة، حين نصل إلى مرحلة اليأس، وترسم نظرة جديدة، حين نجد النقاء والوفاء ونلمس المشاعر الحقيقية. وربما كان ذلك في أصعب الظروف وأحلك الأوقات، فلا عجب أن يتم اختيار فيلمٍ يحمل هذا المضمون ضمن أفضل 250 فيلما في تاريخ السينما، وهو فيلم "الخلاص من شاوشانك". ويروي قصة سجين يتهم ظلما بقتل زوجته، وحين يصل إلى مرحلة اليأس في السجن، وانعدام الأمل ببراءته، إلا أن الصداقات التي ينشئها مع بعض النزلاء في السجن تعيد إليه إيمانه بالحياة والأمل في النجاة.

دلالات

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.