عيد الأضحى والولادة الجديدة

عيد الأضحى والولادة الجديدة

15 اغسطس 2019
+ الخط -
فوجئت، قبل سنوات قليلة، بصور بطاقات الأعياد في عيد الأضحى، وعليها صورة كبش، أملح، أقرن، أجعد، جذّاب، فاتن، يصلح بطلاً لفيلم أنيمايشن. يحمل الكبش بالونات، ويرقص فرحاً في ربع الساعة الأخيرة من استشهاده، وكأنه في عرسٍ وسيتزوج من شاة مليحة في الخمار الأبيض. أغلب بطاقات عيد الفطر فيها صورة فانوس وبالونات ونجوم في عصر الصورة. المدفع انقرض في فلسطين، لأن صوته يخيف المحتلين الميامين. وانقرض من الدول الإسلامية الوطنية أيضاً للسبب نفسه، لكنه يُطلق في الصور بالونات، ونجوماً، وله علاقة بالتدجين وحلم السلام العادل والشامل الذي لن نراه ما دام المدفع يطلق فقاعات الصابون. السلام لا يتحقق بغصن الزيتون والحمامة. المدفع ضروري للسلام. يحتجّ معظم الرفاق النباتيين على الذبح الإسلامي بالسكين. نباتيو العرب هم نباتيون بالفكرة، لا بالمعدة، وبعضهم من آكلي اللحوم، حتى في وجبة الفطور.
تتناسخ الصور وتتبادل الحضارات التأثر والتأثير، فلعل صورة الكبش في البطاقات مقتبسة من وعول بابا نويل. وكنا في عهد قريب نأكل ونشبع، وبتنا نكتفي بالصورة غذاءً للعين الجائعة، وقد أشبعتنا حكوماتنا صوراً للسيد الرئيس الأملح الأقرن، وهو يمشي، ويضحك، وتركت بطوننا جائعة، وعقولنا فارغة، وأفئدتنا هواء.
والأضحى في الترجمات اسمه عيد القربان، والقرابين شائعةٌ في الثقافات القديمة، رهباً أو رغباً. ومن الرغبة شغف أهل الخليج المنعّمين بتزيين النوق والإبل بالذهب والحلي الملوّنة، وقد نافستها الماعز. قبل أيام، رفض فلسطيني شاب بيع تيس في حجم حمار بسعر كبير لشدة جماله، واشتهر باكستاني بالرسم على أجساد الحيوانات، وأُشرب أتباع العسكر في قلوبهم العجل بظلمهم. الماء الزلال سرّ الحياة الأول، والماء الأحمر سرّها الثاني. الأرض لا ترتوي من الماء وحده، فلا بد أن تشرب دم الحيوان، فإن لم يهرق دم الحيوان شربت من دم الإنسان.
الأضحى ولادة جديدة بالمصطلحات المعاصرة، ويسعد المسلمون بأبنائهم كما سعد إبراهيم بابنه، وسعد إسماعيل بأبيه، وسعدت أمه هاجر بالاثنين. والأضحى يجمع الأعياد، فهو عيد الأم، وعيد الأب، وعيد الابن، وعيد الماء (زمزم)، وعيد اللحم، وعيد التحرير لأنه عيد التكبير، ويوم المساواة، وعيد الشجرة عمّتنا النخلة.
وهناك ثقافاتٌ كانت تضحّي بالإناث، مثل الثقافة المصرية التي كانت تلقي بالأبكار في نهر النيل. وتقول معظم التفاسير والتأويلات الإسلامية إن الغاية الأولى من الأضحية هي التذكير بطاعة الوالدين، وقد جمعت رؤيا إبراهيم، عليه السلام، طاعة الله وحب الولد، ففاز بهما كليهما. وللأضحية تأويلات اجتماعية وتكافلية وتراحمية، إنها تشمل الإطعام من جوع، والأمن من الخوف، فلا أمن بلا طعام، ولا طعام بلا أمن. وهناك دراسات يغضي عنها الباحثون الإسلاميون، تقول إن قرابين الأولاد كانت شائعةً في المجتمعات القديمة، وقد أبطلها الله بتحويل رؤيا إبراهيم إلى فداء بالأضحية. وكان آخر قربان بشري عربي لعبد المطلب، وقد فزعت قريش، وسعت إلى منعه من ذبح أجمل أولاده، ونجحت. وشبع الناس من أضاحي ابنه عبد الله، لا يردّ عنها بشر أو سبع أو طير، وتلك وسيلة الدين في الإبطال والتشريع، والأمثلة كثيرة في السيرة النبوية، مثل زواج النبي عليه الصلاة والسلام من زوجة مولاه زيد بن حارثة، وحلق رأسه في الحديبية. الأمثلة كلها تجمع على أن المثال يبدأ من الأعلى.
لم يكن النظام السوري يحتفل، زينةً، سوى بأعياده الوطنية. أما زينة العيدين الحقيقيين اللذين يحتفل بهما الشعب حق الاحتفال، فكان يعرض عنها. الحق يقال: إن سلطات النظام كانت تحضُّ الشعب على تجنب إطلاق الأعيرة النارية، فإطلاق النار مخصوصٌ بها، تقسيماً للسلطات بين التشريعية والتنفيذية والقضائية والنارية. القسمة الضيزى هي: الطلقة للنظام، والسكين للشعب. ولا أذكر أن النظام اهتم بالأضحية ذبحاً أو ذكّر بها، وحرص أشد الحرص على التضحية بأكباش الناس في مسالخ تدمر وصيدنايا وبقية السجون، وكما عجبنا من صورة الكبش على بطاقات المعايدة، نعجب أيضاً من سرعة قول عبد الفتاح السيسي مخاطبا الشعب المصري: أبنائي. لقد صار أباً لمائة مليون مصري من غير شرعة ولا نكاح، في غمضة عين، وضحّى بالآلاف تقرّباً لآلهته في الغرب، أما الأب السوري فكان حريصاً على ذبح الأضاحي في المعتقلات والسجون، بعيداً عن العيون، حرصاً على الصورة الجميلة لأنظمة القرابين البشرية، وعلى الصحة العامة ونظافة البيئة.
683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."