معادلة تفجير الاتفاق النووي

معادلة تفجير الاتفاق النووي

08 يوليو 2019
+ الخط -
انتهت أمس المرحلة الثانية من المهلة التي حدّدتها إيران للدول الأطراف في الاتفاق النووي، وبذلك تشرع طهران في خطواتٍ أبعد نحو التخلي عن تعهداتها المقرّرة بموجب الاتفاق. بعد أن انتهت الشهر الماضي، المرحلة الأولى من المهلة التي بدأت في الثامن من مايو/ أيار الماضي. 
وعلى الرغم من أن طهران لم تحدد مواقيت زمنية أخرى. كما لم تعد بمُهلٍ جديدة، فهي تفضل المُضيّ في إجراءاتها بالتدريج. بما في ذلك التوقف التام عن الالتزام ببنود الاتفاق، مهما استغرق ذلك من وقت، ولكن من دون إعلان رسمي بإلغاء الاتفاق من جانبها. لذا تحرص الدوائر الرسمية الإيرانية بشدة، على ربط كل خطواتها ومواقفها، ليس حتى بالانسحاب الأميركي مباشرة، وإنما بالعقوبات التي أعادت واشنطن فرضها مجدّداً. وفي ذلك مغزى مهم لمنطق السياسة الإيرانية تجاه الاتفاق خصوصاً، والعلاقة مع واشنطن والغرب عموماً، مفاده بأن طهران معنية أساساً بالمضمون، وليس بالصياغات والاتفاقات المكتوبة. بمعنى، ربما لم تكن إيران لتهتم، لو أن إدارة الرئيس ترامب اكتفت بالخروج من الاتفاق، ولم تتخذ إجراءاتٍ عملية تستهدف الاقتصاد، وتقيّد حركة كبار المسؤولين في إيران. ولذا يركز خطاب طهران الرسمي والإعلامي على أن الخطوات الإيرانية، سواء المتخذة بالفعل أو المحتملة، هدفها الرد على العقوبات، وليس على مبدأ الانسحاب الأميركي من الاتفاق. وهو أيضاً المضمون الذي تركز عليه إيران في مشاوراتها مع الأوروبيين.
ولذلك، تبدو عملية التحلل الإيراني من الاتفاق النووي تدريجية وجزئية. وتتركّز في جوانب فنية، متعلقة خصوصاً بعمليات تخصيب اليورانيوم واستخدام المياه الثقيلة. ولكن ثمّة جانبان يثيران القلق في تلك التطورات، أولهما أن طهران اختارت، في الرد على انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق، النهج التدرّجي الناعم، فبدأت المرحلة الأولى من خطتها برفع سقف الكميات المنتجة من اليورانيوم المخصّب. وبعد أن كانت طهران تستبقي 300 كغم، وتبيع ما يزيد عن ذلك إلى دول أخرى بشكل شفاف، صارت تحتفظ بالكميات المنتجة كلها. وينطبق الأمر نفسه على كميات المياه الثقيلة المنتجة، فقد ألغت طهران بيع ما يزيد من إنتاجها عن 130 كغم، وبدأت تحتفظ بكامل الكميات المنتجة.
صحيحٌ أن طهران تعلن خطواتها مسبقاً، ولكن التدرّج فيها وتنويع المسارات يخفّف وقعها السلبي. ما يساعد إذاً على تمريرها من دون ردود فعل قوية، وخصوصاً من الأوروبيين، فعندما أعلنت طهران نيتها التخفّف من الالتزامات النووية، خرجت انتقاداتٌ أوروبيةٌ شديدة للخطوة، وهدّدت بعض دول أوروبا بإجراءاتٍ مضادّة، قد تصل إلى فرض عقوباتٍ أسوة بواشنطن. ثم حين بدأت طهران بالفعل خطوات المرحلة الأولى، اكتفت أوروبا بمناشدتها التمسّك بالالتزامات النووية حسب الاتفاق.
وهنا يظهر الجانب الثاني المثير للقلق، فأوروبا عاجزةٌ عن إجبار أو حثّ أو حتى إقناع أي من الطرفين (واشنطن وطهران) على تغيير موقفه. بل بدا واضحاً أن أوروبا حائرةٌ في ما يمكن عمله للحفاظ على الاتفاق، وهي لا تملك فعلياً ما يمكنها تقديمه لطهران. وهو ما سمح لإيران بتوجيه انتقاداتٍ لاذعة للأوروبيين، وخصوصاً بعد أن استغرقت طويلاً قبل إقرار الآلية المالية والتجارية (أنستكس)، ثم لم تطبقها فعلياً إلا قبل عشرة أيام من موعد المهلة الإيرانية.
وجه الخطورة في ذلك كله أن العجز الأوروبي يسمح لترامب بمزيدٍ من المغامرة والتهور، مع دولةٍ معروفة بنفسها الطويل في التفاوض والحروب النفسية والصراعات الممتدة، غير العسكرية خصوصاً. فضلاً عن أنها (إيران) اعتادت التعايش مع العقوبات عقوداً، ولا يتوقع بالمرّة أن تنجح معها سياسة عضّ الأصابع التي لا يجيد ترامب غيرها. وبذا، صار الاتفاق النووي خاضعاً لمعادلةٍ تنذر بانفجار: حنكة إيرانية، غشم أميركي، وعجز أوروبي بينهما.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.