مدخل نحو الفن

مدخل نحو الفن

07 يوليو 2019
+ الخط -
فلنتخيل الحياة بدون فن، كيف ستكون؟ ستكون قبيحة ومشوهة. الفن منتوج تعويضي في زمن تفتقد فيه الحياة إلى الجمال. وبما أن الفن جميل، فهذا يعني أن الحياة ستكون جميلة، بل نرى الفن ضروريا في الحياة، ويحتاجه الإنسان كحاجته للخبز والهواء والماء والجنس والحب، إذ هو وسيلته للتعبير عن خلجات روحه وقلبه. 
ومن هذا المنظور، يُعتبر الفن تعبيرا راقيا عن أفكار الإنسان ومشاعره ومكنوناته الدفينة، إنه إبداع حر يُبَرهن به الإنسان على موهبته التي وهبه الله اياها، والتي بها يُبدع سحرا فنيا يغري الحواس ويأسرها، كونه (الفن) جزءا من جمال الحياة، بل إنه "الفعالية الإنسانية التي تستهدف خلق الجمال وإبداعه"، عن طريق مجموعة من الأدوات والوسائل والمواد التي يتوسل بها الإنسان لخلق عمل تعبيري جميل.
وبما أن الفن إبداع إنساني، فإنه تعبير خلاق عن توتر الإنسان في مواقفه إزاء المجتمع والطبيعة، ما يجعل العمل الفني كيفما كان (لوحة، قصيدة، قطعة موسيقية، نص روائي، قصة قصيرة، مسرحية، سيناريو...)، وعاء "يحمل في أعماقه التوتر" الذي يسعى وراءه الإنسان إلى معالجة الواقع، وقضاياه الشائكة والمتعددة، من قبيل الصراع الطبقي، الحروب، الإرهاب، العنصرية، غياب العدالة، الظلم، القهر، الفقر، العنف، التشرد...إلخ.
وبذلك يتبين أن الفن يستمد مقوماته الأساسية بالدرجة الأولى من الواقع المعيش. ولعل هذا ما ذهب إليه، حتى هيغل، حينما كتب "إن الجمال الفني يستمد تفوقه من كونه يصدر عن الروح وبالتالي عن الحقيقة''. بيد أن الفن يتفجر من الروح ويعود إلى الروح، فالإنسان حينما "يندفع إلى التعبير الفني، إنما يندفع بالفعل إلى التعبير عن نفسه وعما يخالجها، من ألوان المعاناة والتماعات الخواطر والمشاعر".
وإذا كان الفن ينبعث من ذات موهوبة تعبر عن عبقريتها الخلاقة، فإن "الفن إذاً هو الفعالية الإنسانية المتجسدة في التعبير الجميل عن حركة الذات الواعية المجرّبة في مواقفها الخاصة من الطبيعة والمجتمع؛ بوسائل اللون واللفظ والحركة والشكل والنغم"، أي بمختلف أنواع الفنون وضروبها، التي لا يمكن الحديث عنها إلا بالحديث عن معنى الفن عموما، نظرا لكونها تختلف بحسب المادة التي يوظفها الفنانون من أجل التعبير عن ذواتهم ومشاعرهم وتصوراتهم، حيث إن المادة "هي التي تحدد نوع الفن"، بيد أن الفن إذا اعتمد الإيقاع كمادة كان موسيقى، أما إذا اعتمد الفن اللغة كمادة له، سميا أدبا، وإذا توسل بالألوان والأشكال والظلال والخطوط اعتبر تشكيلا أو تصويرا صباغيا.
وعموما، الحديث عن الفن ليس هينا، نظرا لتناول الأدباء والفلاسفة والموسيقيين والفنانين له، وهذا ما يجعل تعريف الفن لا يأخذ معنى ذا صبغة واحدة، بل تتنوع معانيه بحسب الحقوق الفنية، وطبعا دونما الالتفات إلى التعريف الجاهز، والذي يُراد به أن الفن إبداع، بل الأصح الذي يمكن أن نجعله ساريا على الفن، هو أنه (الفن) فيض من الجمال الذي يخاطب الروح ويسعى إلى تفجير توترها.
161BE824-C0D1-4199-9912-9578364C1FDD
161BE824-C0D1-4199-9912-9578364C1FDD
خالد النافعي (المغرب)
خالد النافعي (المغرب)