بوريس على الخط

بوريس على الخط

27 يوليو 2019

جونسون عند دخوله مقر رئاسة الجكومة في لندن (24/7/2019/Getty)

+ الخط -
كان من الواضح أن مرحلة جديدة وُلدت من رحم انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، وسقوط الثنائية القطبية العالمية، بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. كان من الواضح أيضاً أن السلوك الدولي سيتخذ منحىً آخر، حتى لو استمرت الحروب الإقليمية والغزوات العسكرية. أيضاً وأيضاً كان واضحاً أن دول الغرب الأوروبي انتظرت لحظتها طويلاً، خصوصاً الأنظمة التي اعتادت تقديم نفسها "حارسةً لحقوق الإنسان"، لتحقيق نموّها وفقاً لمنظومة قائمة على "العدالة الاجتماعية". بعد ذلك كله، كان "طبيعياً" أن يحلّ زمنٌ ما، مشبعٌ بعصبياتٍ محدّدة، تحديداً إذا ما انهار أو تراجع النموّ الاقتصادي، أو بكل بساطة بدأ بعضهم يشعر بـ"خسارة مكتسبات ما". أدى ذلك كله إلى إعادة الحياة لتيارات يمينية متطرّفة، ولشخصيات تمثّلها. وما كان غير مقبول في عام 2000 بعد فوز حزب الحرية، اليميني المتطرف في النمسا، بقيادة يورغ هايدر، بات مطلوباً بعد أقل من 16 عاماً، بدءاً من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وصولاً إلى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
صحيح أن جونسون شكّل حكومة تضمّ بريطانيين متحدّرين من إثنيات عدة، وهو منهم، إلا أن تاريخه في التعليقات السلبية لا يُمحّى بسهولة. وبالطبع، لا يملك خليفة تيريزا ماي الوقت الكافي للخروج من هذه الصورة، بل سيصبّ جهده على أمرٍ واحد: تأمين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، ولو من دون اتفاق. هو الامتحان له، لأن شخصاً مثله لا يمكن أن يتخيّل خسارته في مسألة "بريكست"، واستطراداً توجهه إلى إجراء انتخابات مبكرة، قد تطيحه. جونسون أذكى قليلاً من ذلك في سعيه إلى الاحتفاظ بمنصب رئاسة الوزراء حتى عام 2022، تاريخ الانتخابات التشريعية. بعد 31 أكتوبر، سيكون متفرّغاً، إلى حد ما، لتسلّم الواجهة الإعلامية العالمية من ترامب الذي سيبدأ، أواخر العام الحالي، التحضيرات العملية للانتخابات الرئاسية الأميركية التي تنطلق أولى مراحلها في 3 فبراير/ شباط 2020 في ولاية أوهايو.
لكم أن تتخيلوا كيف سيكون شخص، مثل الصحافي السابق جونسون، في "10 داونينغ ستريت"، وهو المعروف بأنه "لا يُمكن التنبؤ بتصرّفاته". كما أنه خارج السياق الرسمي لرؤساء الوزراء البريطانيين، باستثناء وينستون تشرشل، متفوّقاً على غوردون براون وتوني بلير. في تراكمات جونسون، قصة تربطه برئيسة الوزراء الراحلة، مارغريت ثاتشر، فقد كان مراسلها المفضّل في الاتحاد الأوروبي، وكان قادراً على تزويدها بأمورٍ شخصية مفصّلة عن المسؤولين الأوروبيين.
يفسّر هذا الأمر شخصيته. جونسون لن يكون فقط "العابث" الذي عرفته لندن حين كان عمدة لها، بل شخصاً آخر على ضفاف الأطلسي، يريد أن يقول للعالم إنه "موجود". كما شريكه على الضفة المقابلة: ترامب. سيسعى إلى تكريس تحالفه مع الأميركيين، وإن كان غامضاً بعض الشيء في أي سياسةٍ سيعتمد تجاه إيران مثلاً، في ظلّ حرب الناقلات بين البلدين. ولكن إذا كان تأثره بثاتشر عميقاً، فإنه قد يستوحي شيئاً ما من حرب الفوكلاند (1982) بين الأرجنتين وبريطانيا، في حال التفكير بالموضوع الإيراني.
العالم يتغيّر سلباً. من كان ليتخيّل، منذ سنوات قليلة، وجود أشخاص في السلطة يبثون التوتر، بل أضحوا من مسبّبات الإجهاد العالمي؟ ربما كان حلم فرقة "سكوربيونز" الألمانية عام 1990 أكبر من واقعنا، أو سابقاً لأوانه، حين غنّت لـ"ريح التغيير" بعد سقوط جدار برلين وبدء انهيار السوفييت. لا بدّ من التعامل مع العصبيات التي تتناسل بسرعة فائقة. تحضر المقارنة مجدّداً: حين فاز "الحرية" في النمسا، وشكّل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب، قاطعته دول الاتحاد الأوروبي. عليه، لم تتمكّن الحكومة في النمسا من مواجهة العزلة القاريّة. انهار التحالف الحكومي، ثم حُلّ حزب الحرية، قبل أن يُتوفى هايدر بحادث سيارة عام 2008. اليوم، لا شيء من هذا يحصل. إنها المأساة.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".