عن استقالة نواف الموسوي

عن استقالة نواف الموسوي

20 يوليو 2019
+ الخط -
لو حصل مع أي شخصية عامّة، في البلدان التي تحترم نفسها وناسها، ولبنان ليس منها، ما حدث مع النائب عن حزب الله نواف الموسوي، عندما حاول حماية ابنته من عنف زوجها وعسفه بسلاحه ورجاله، لاستقال من منصبه فوراً من دون أدنى شك، فتحمل مسؤولية السلوك الشخصي، عندما يكون "نافراً" يخرج عن إطار "الصواب السياسي"، أو الأخلاقي المتعارف عليه في المجتمع، بغض النظر عما إذا كان السلوك محقاً أو لا، هو قرار متعارف عليه في ألف باء الشأن العام. ولكن استقالة الموسوي، في حالتنا هنا، خلفياتها مختلفة تماماً. لا فرق كبيراً بين ما إذا كان الموسوي استقال من تلقاء نفسه من منصبه البرلماني عن حزب الله أو أن حزبه طلب منه الاستقالة، فحزب الله وفيّ لاسمه، والموسوي أحد صقور هذا التنظيم الشمولي، شديد الوفاء بدوره لحزبه ولاسمه. أغلب الظن أن الموسوي، وهو يطارد طليق ابنته سعياً إلى حمايتها بكل الوسائل والأسلحة (لا داعي لتأفف كارهي السلاح ومناصري السلمية والأن جي أوز)، كان قد حسم قراره بالاستقالة من موقعه، وهو أحد صقور الحزب الديني الظلامي. يعرف الموسوي تمام المعرفة أن حزب الله، لا يحتمل "خرقاً" كالذي تسبب سلوكه في إحداثه في جسد "الكمال الأخلاقي" والهالة السلوكية المرسومة من الحزب حول نفسه وقياداته. هو حزبٌ إلهي، كما يشير إليه اسمه وشعار "انتصاراته" الحربية ضد أعدائه، أكانوا صهاينة أم شعباً سورياً أم فئات بشرية يناصبها الكره بالفطرة وبعقيدة ولاية الفقيه، ولا مكان عنده لقضايا المجتمع التي يريدنا أن نتوهم أنه يراها تافهة، ملوّثة بقضايا الدنيا، مثل الزواج والطلاق والخلافات العائلية والعنف الأسري والقوانين التي تشجّع ذلك العنف، الذي يمنع حزب الموسوي نفسه مجرد النقاش الجدّي باحتمال تغييرها، بغض النظر عما يقال عن أن النائب المذكور كان ولا يزال، على صعيد شخصي، وبسبب معاناته مع نتائج هذه القوانين المتخلفة على أحوال عائلته وبناته، يعارض كثيراً منها. ليس مهماً إن كان الموقف النقدي ذاك عند الموسوي حاضراً أو لا، بما أن معارضته، في حال وُجدت بالفعل، تبقى باطنيةً عنده، ذلك أنه لا سبيل في حزب توتاليتاري، كحزب الله، لمعارضة أو لرأي أو تيار يخالف الملهم الأعلى والمرشد الأعلى والسيد الأعلى.
حزب الله لا يحتمل أن تصبح سيرة رجاله ونسائه على كل لسان، ولا أن تستحيل خصوصيات عائلات رموزه محلّ نقاش عام. هذا، في عرفه وأيديولوجيته، بمثابة خرقٍ متعدّد المستويات: خرق خصوصيات وخرق أمني وخرق "أخلاقي" وخرق "سياسي"، من النوع الذي يكسر صورة السموّ عن تفاهات الدنيا التي يرغب بإبقائها حاضرةً في أذهان الأعداء والخصوم قبل الحلفاء وجمهور الحزب. على طريقة نفي رئيس إيران السابق، محمود أحمدي نجاد، ذات يوم وجود مثليين جنسياً في بلاده، في تقاطع مع نفي هتلر أيضاً وجود هذه الفئة في المجتمع النازي، يريد حزب الله أن يوهمنا بأن رموزه تعيش في منأى عن مشكلات حياتية واجتماعية، وأن من شأن هذه أن تعكّر الصورة المقدسة التي يسعى جاهداً إلى منع التشكيك فيها.
حادثة مثل تلك التي ارتبطت باسم الموسوي، هي من النوع الذي يعتبر حزب الله أنها تنزع عن التنظيم حصانة المقدس. مقدّس كرّسه الحزب بمليشيوية موصوفة، وبسلاح التهديد والتشبيح والحرق والتكسير، عندما منع تناول شخص أمينه العام مثلاً، حسن نصر الله، في البرامج الفكاهية الكاريكاتورية، أكانت ثقيلة الدم أم ظريفة. مقدّس لا يشمل اتهامات بالفساد وبتجارة المخدرات والكبتاغون كتلك التي تلاحق بعض أركانه من نواب ووزراء، فيسارع إلى وضعها في خانة الحملة العالمية التي تستهدفه. هؤلاء المتهمون من حزب الله بالمخدّرات والكبتاغون لم يستقيلوا. لكنّ نائباً تجرأ على فضح ما جنته قوانين الأحوال الشخصية الطائفية التي يحرسها حزب الله وغيره في بلد الطوائف، على بنات هذا المجتمع، كان لا بد أن يستقيل، فـ"القضايا الكبرى" لا تترك مجالاً لسجالات تحسين أحوال البشر وحقوقهم وحيواتهم وحرياتهم.
أرنست خوري
أرنست خوري
أرنست خوري
مدير تحرير صحيفة "العربي الجديد".
أرنست خوري