رد توضيحي لمنظمة العمل الشيوعي على صقر أبو فخر

رد توضيحي من منظمة العمل الشيوعي في لبنان على صقر أبو فخر

15 يوليو 2019
+ الخط -
نشرت صحيفتكم الغرّاء "العربي الجديد" مقالة من جزأين، للباحث صقر أبو فخر في 22 و23 مايو/ أيار المنصرم، ناقش فيها كتاب "تقرير المؤتمر العام الرابع لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان – من أجل حزب يساري ديمقراطي علماني"، الصادر عن منشورات صحيفة "بيروت المساء". وإذ ننوه بـ "العربي الجديد"، بنسختيها الورقية والإلكترونية، وبالكاتب أبو فخر الذي بذل كعادته جهداً مشكوراً لنقاش ما جاء في التقرير ونقده، يهمنا أن نوضح النقاط التالية:
1- أشار أبو فخر إلى جملة العناوين التي تضمنها التقرير– الكتاب، وإلى أهمية ما ورد، مقدّراً المغالبة الفكرية التي تبذلها منظمة العمل الشيوعي في لبنان، وسط الخراب العربي الراهن على الصعيدين المادي والفكري، ما قاد إلى حالة تقارب الانقراض في الفكر اليساري والتقدّمي العربي. ولكنه في المقابل أغفل التوقف عند مسائل مفصلية، نعتقد أنها تستحق الاهتمام من نوع الانتفاضات العربية والقضية الفلسطينية والمسألة السورية.
2- أشار الكاتب إلى ثغرات تضمنها التقرير، وبعضها صحيح بالإجمال، عندما تحدث مثلاً عما ورد عن الاقتصاد اللبناني من تحليل توصيفي، لا يقدم قراءة إحصائية دقيقة لمآلات هذا الاقتصاد ومأزقه، وكذلك ما ذكره عن علاقات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مع كل من تركيا وقطر في ضوء تراجع علاقاتها مع إيران ومحور الممانعة.
3- اختار الباحث أبو فخر لمقالته عنوان "التراجع إلى خط الدفاع الثاني.. من الشيوعية إلى العلمانية"، وهو عنوان لا يعبّر عن حقيقة ما أنجزته المنظمة في مؤتمرها المذكور من نقد لخطها الفكري والسياسي، إذ يبدو من العنوان أن المنظمة كانت في خط دفاع أول فتراجعت إلى الثاني. والحقيقة أننا لا نرى الأمور على هذا النحو، بل إن ما فعلته المنظمة أنها قرأت تجربتها الفكرية والسياسية خلال عقود، واستخلصت منها أن شعار الشيوعية الأصولية الذي طالما التزمته لم يعد له من محل في ضوء انهيار التجربة الأم في الاتحاد السوفييتي، ودول المنظومة الاشتراكية، كما التجارب الأخرى. والحقيقة أن أبو فخر لو تسنى له الاطلاع على النص الذي أصدرته المنظمة قبل المؤتمر، وعنوانه "في الاشتراكية"، وما تضمنه من فكر نقدي تحليلي للماركسية اللينينية، لكانت الرؤية أوضح للخط البياني الذي جرى اعتماده بعد نقد
 ما سبقه.
4- نجح الباحث في ربط هذا التحول بما سبقه من تحولاتٍ طاولت التجارب السياسية العربية، سواء التي شهدها حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب وسواهما على مشارف حرب عام 1967 وهزيمة الحركة الناصرية، وما قادت إليه من مسارات تحول نحو الفكر الاشتراكي، الماركسي منه وغير الماركسي. وهو أمر شهدته مناطق واسعة من العالم، كما معظم دول المشرق العربي، وشكّل موجة صعود اليسار الجديد، وما لازمها من توجهات وشعارات ثورية، وقامت عليها تجارب تعدّدت ساحاتها، وتنوعت وسائل نضالها، راوحت بين حركات تحرر وتحرير وانتفاضات مسلحة.
وإذا كان اليسار الجديد، ومنه منظمتنا، قد ولد ومعه إشكالياته الفكرية وتشدده الثوري وأزمات برامجه الجذرية، وهو ما كان له ارتداداته عليها، في ضوء الممارسة السياسية، وولّد أزمات فكرية وسياسية وتنظيمية، نجمت عنها انشقاقات وتحولات لم تكتمل فصولها، وجرى ركنها جانباً، مع تصاعد تباشير الحرب الأهلية الزاحفة، وأطوارها المتعدّدة، والدور الذي اضطلعت به المنظمة، وشكل مخرجاً مؤقتاً لتأجيل استحقاقاتها. وهذا ما شكل انتكاسة لليسار، وفق مراجعتها الفكرية السياسية لتجربتها التي تضمن خلاصاتها كتاب "أوراق يسارية" الذي صدر عام 2016 عن مجلة بيروت المساء، وتضمّن ما انتهى إليه المؤتمران، الثاني والثالث، من قرارات وتوصيات، ومعها نص الموقف الفكري – السياسي الذي ورد في كلمة الأمين العام للمنظمة، محسن إبراهيم، في ذكرى تأبين الشهيد جورج حاوي. وانتكاسة اليسار أو هزيمته مردّها مفاعيل الحرب الأهلية على البلد وعليه في آن، والنتائج التي أسفرت عنها، فضلاً عن
 جملة التطورات التي شهدها العالم، وتراجع اليسار إلى خط الدفاع الثاني، كما يقول الباحث، ما أدى إلى بروز الفكر الإسلامي، برافديه السني والشيعي.
5- عندما نقدت ونقضت المنظمة التزامها الماركسية اللينينية، وما كانت تصفه بأنه الاشتراكية العلمية، أعلنت أنها لم تعد مقيدة بقيد الالتزام الكلي والأصولي بالماركسية اللينينية. وفي سياق إنصافها الماركسية، أعادت الاعتبار للأصل المتمثل بالخيار الاشتراكي، ودعت إلى تزخيمه وتجديد اتصاله بالديمقراطية التي وصفتها الماركسية بأنها إحدى حيل الرأسمالية. وعليه رأت أن الاشتراكية هي أعلى مراحل الديمقراطية. ما يعني أن المنظمة لم تخرج من الاشتراكية على غرار ما فعله بعضهم، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وكل التجارب التي قامت تحت راية الماركسية واللينينية التي رأت فيها نظرات ومنهج تحليل ثاقب للنظام الرأسمالي، وآليات استغلاله ونهبه للعالم الثالث، إضافة إلى مقولة الصراع الطبقي وغيرها. إذن، لم تعد المنظمة ترى في الماركسية التي كانت الأكثر أصولية في التمسك بها نظرية كلية مطلقة، تشكل علم العلوم ونهاية مطاف الفكر البشري، الذي يظل يطوّر ذاته مع تطور علوم الاجتماع والاقتصاد وجملة إنجازات التكنولوجيا والعلوم العصرية.
6- ينسب الباحث صقر أبو فخر أسباب تعثر اليسار العربي واللبناني إلى عدم نشوء طبقة عاملة حقيقية، ففي لبنان يصف الطبقة العاملة بأنها مؤلفة من عمالة موسمية ومهاجرة: سوريون، مصريون، سودانيون، فلسطينيون.. إلخ .. أي أن هذه العمالة مؤقتة، وذات طابع خدماتي.. وهو أمر ليس صحيحاً، ويحتاج فقط إلى العودة إلى جان كولان وكلود دوبار وسليم نصر وغيرهم لتبيان أنه كانت في لبنان، وما زالت، طبقة عاملة، وإن كانت ضعيفة بالنظر إلى طابع المؤسسة الصناعية الصغيرة الطاغي، علماً أن البنية اللبنانية، بالنظر إلى مستوى التعليم، تصدر عمالة كفاءات ذات اختصاصات عالية، وتستورد عمالة غير مدربة، تعمل في القطاعات والمجالات الأقل مردودية. وفي هذا الإطار، نعتقد أن المسألة المتعلقة بتعثر تجديد اليسار 
أعمق وأوسع من حجم وحدود تشكل طبقة عاملة، ليس في لبنان فحسب، بل في سائر المجتمعات العربية. وهو أمرٌ يطاول الهوية الفكرية وطبيعة التشكيلات الاجتماعية، وتكون قوى التغيير وواقعية برامجها النضالية، وغيرها من القضايا التي لا يعالجها نص وحيد.
7- يمكن وبسهولة التوافق مع الكاتب في أن استخدام مصطلح الأكثرية والأقلية، بات مشوّهاً في لبنان والمنطقة، وأصبح مرادفاً للأغلبيات الطائفية (السُنة في سورية، الشيعة في العراق، المسلمون في لبنان..) ولم يعد مرادفاً للأكثرية والأقلية السياسية والاجتماعية، كما هو الحال في الأنظمة والمجتمعات الديموقراطية. لا يعني ذلك بأي حال غياب المجتمعات المحلية والعربية كما يجزم أبو فخر، إذ إن عمليات الوصل والفصل التي تمارسها السلطات الحاكمة وغياب الديموقراطية وسيادة القمع والاستبداد، واعتمادها العصبيات والزبائنية وضعف قوى الإنتاج و... كلها عوامل نرى أنها ساهمت في إعاقة تشكل وحدات مجتمعية، تكشفت هشاشة بنياتها مع انفجار أزماتها، ليتبين خلالها مدى تجذّر البنى التقليدية الموروثة التي سرعان ما استعادت فعاليتها وزخمها. ولا تختلف الحالة اللبنانية عن محيطها، إذ بدا جلياً سرعة الارتداد إلى البنى التقليدية العائلية والعشائرية وصعود الطائفية، وتمت محاصرة المشترك الوطني والطبقي الحديث التكوّن، وقد وضعته في مسار تراجعي حاد مع اللحظات الأولى للحرب الأهلية.
وهذه لم تتوقف إلا مع تسوية الطائف على قاعدة "الإصلاح الطائفي للنظام الطائفي"، وتكريس "النظام الطائفي في لبنان نظام رعاية لحرب أهلية مستدامة"، وهو ما وصفه بعضهم بـ"نظام ديمقراطية الطوائف". وعليه، لم يكن مفاجئاً ما أشار إليه الكاتب، إنه وخلال أطوار الحرب الأهلية وتفرعها واحتدام أزمة اليسار، جرى ارتداد أعداد كبيرة من اليساريين والديمقراطيين تباعاً إلى أحزاب الطوائف وتياراتها، يستوي في ذلك العودة إلى جميع التشكيلات الطائفية، 
بصرف النظر عن تنوع شعاراتها، تبعاً لأدوارها ومواقعها وتحالفاتها في الحرب، والموصولة بمشاريعها السياسية وارتباطاتها الخارجية. ومن المهم تعميم هذا المفهوم على السلطات الحاكمة والأنظمة العسكرية العربية التي باتت الحروب الأهلية ممرّها الدائم نحو الاستمرار بالإمساك بزمام السلطة (مصر، ليبيا، سورية، اليمن، والسودان والجزائر راهناً).
8- نتفق مع الزميل صقر في أن العلمانية ليست دعوة، بل هي مشروع سياسي، لأنها تؤكّد أن مرجعياتها هي الأخلاق والعقلانية والعلم، وليست مفاهيم الجماعات الدينية. وفي لبنان، نرى أنها باتت مسألة مصيرية لإنقاذ الدولة والكيان من الانهيار، لكن ما نختلف معه فيه أن لا علمانية شاملة في لبنان من دون انتصارها في المشرق العربي عموماً، وفي سورية خصوصاً. بدورنا لا نرى أن طريق العلمانية معبدٌ أمام العلمانيين اللبنانيين، لكن رهن خلاصهم من النظام الطائفي بالتقدم العربي والسوري في هذا المجال، يذكّر بمقولات سابقة حددت وظيفة لبنان، بما هو ساحة خدمات إعلامية ودعائية لقوى الثورة العربية فلسطينية وغير فلسطينية. أما ما يؤشّر إليه أبو فخر من أخذ السلطات العربية بجوانب من العلمانية، مثل قانون العقوبات وسواه، فهو يؤشر إلى أهمية خيار الديموقراطية، بالنظر إلى أن ذلك حدث في مراحل الحياة الليبرالية والبرلمانية النسبية التي وأدتها الأنظمة العسكرية العربية في حومة انقلاباتها المتواصلة. السؤال الذي يطرحه كل لبناني أمام حسم صقر أبو فخر بأن لا علمانية في لبنان هو: هل أنتظر نجاحها في المنطقة العربية وسورية، علماً أننا ندرك مدى صعوبته التي تقارب الاستحالة، وهو ما أشارت إليه النصوص، وأكده الموقف الفكري السياسي الذي ألقاه الأمين العام محسن إبراهيم في تأبين الشهيد جورج حاوي: إن التغيير الديمقراطي العلماني في لبنان "يكاد أن يكون مستحيلاً"، بالنظر لصعوبة النضال في سبيله، وهو مسار مغالبة تراكمي وسط تفكك المجتمع وهيجان العصبيات الطائفية.
9- ما ذكره الباحث صقر بشأن اعتماد تحليل وصفي للاقتصاد اللبناني، وعدم اعتماد التحليل الكمي والرياضي والإحصائي، صحيح، إذ لم يكن الهدف من التقرير هو ما يطالب به، علماً أن التحليل الوصفي استند إلى إحصاءات لا تدّعي المنظمة أنها من حققها عدا أنها تحتاج إلى 
تدقيق. أما الغاية من التقرير فهي محاولة الاتصال بنقاش قضايا الاقتصاد، ولا ندّعي قول الكلام الفصل، لأن الموضوع يحتاج إلى جهد يفوق إمكاناتا التي نسعى إلى تطويرها، كي نكون من المساهمين في تجديد قراءة معضلات الاقتصاد وتحدياته، قبل أن نتحدث عن برنامج. ومع الترحيب بما ورد عن الحماية والمنافسة، فإن الإشارة إليها في إطار توجهات عامة لا تشكل برنامجاً، لأنها لا تتعدى مبادئ أولية تحتاج إلى نقاشٍ كثير.
ولكن الخلاف هو إفراد الباحث نقاشاً مطولاً، بدا متناقضاً لجهة المنافسة ومجالات العمل، حول مسألة العمالة السورية في لبنان التي وردت ضمن الإشارة إلى مسألة النزوح في ما لا يزيد عن عشرة أسطر. والواقع أن صقر انتزع ما ذكره التقرير من سياقه، إذ يقول التقرير بالحرف "لقد فاقم النزوح السوري إلى لبنان معضلاته الاقتصادية والخدماتية الموروثة والمستجدة...". بدا من المناقشة وكأن المنظمة تنسج على منوال بعض القوى اللبنانية العنصرية في إحصاء أعداد النازحين وتأثيراتهم، بل وخطرهم الديموغرافي، وهذا مستغرب، إلا إذا كان المطلوب تجاهل وجود النازحين، ونفي أي "أثر لوجودهم على قطاعات الاقتصاد والخدمات"، أو "المساهمة في زيادة حدة البطالة"، علماً أنه لم يرد في النص ما يحمّلهم ما لا شأن لهم به من أزمات. وهنا ربما نختلف على تقدير عدد السوريين المقيمين بوصفهم عمالة دائمة، وليس التعداد غير الثابت للنازحين أو تاريخ الوجود السوري، وطبيعة دوره في الاقتصاد على أكثر من صعيد. ولم تغفل المنظمة الإشارة إلى سوء تعامل أهل الحكم وقوى السلطة مع ملف النازحين، ومحاولات توظيفه في خدمة مصالحهم وصراعاتهم، بما فيه سوء إدارة مؤسسات الدولة للمساعدات الدولية لهم "ما أدى إلى صرفها بشكل مباشر أو تلزيمها لمنظمات دولية أو محلية".
10- يشير أبو فخر إلى سياسة روسيا، وقد وردت في التقرير في موضعين، أولهما في المقدمة، وثانيهما لدى الحديث عن السياسات الأميركية والروسية إزاء القضية الفلسطينية، حيث ورد أن "الثابت الروسي أمن إسرائيل" والدلائل عليه أكثر من أن تُحصى، سواء تعلق الأمر بما جرى ويجري على أرض فلسطين، أو في إطار الصراع العربي الإسرائيلي والعدوان المتكرر على لبنان، حيث لنا ذاكرة حية نتشاركها مع الباحث في مواقف الاتحاد السوفييتي، وهي ذاكرة تتناقض مع واقع سياسة روسيا اليوم، بدليل ما يحدث راهناً في الميدان السوري من تنسيق مع إسرائيل. أما موقف التأييد أو الدعم الكلامي للحقوق الوطنية الفلسطينية، فإنه لم يتحوّل يوماً إلى قضية رئيسة ذات أولوية تحكمها دينامية صراع في مواجهة السياسة الأميركية. ومثل هذا التوجه الذي عبَّر عنه الباحث أبو فخر نجده لدى بعض أحزاب اليسار الشيوعي، ومثقفين عديدين يصعب عليهم تصوّر سياسة روسية إمبريالية، وهي وريثة الاتحاد السوفييتي، وأن ما يحدث في القرم والشيشان وأوكرانيا وغيرها ليس سوى مجرد مصالح، وكأن الإمبريالية ليست شبكات من المصالح والعلاقات وإدارة الصراعات للهيمنة والسيطرة وتأمين هذه المصالح على حساب الشعوب. مع العلم أنه ليس بالضرورة أن تكون لدى روسيا مصالح كونية بحجم القدرة والمصالح الأميركية. ولكن الأفدح هو توزيع العمل في الساحة السورية، فروسيا تجيز تحول إسرائيل دولة شريكة لها، ومقرّرة في مصير سورية، كي لا تتصادم معها، ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية.
11- وفي ما يتصل بموضوع تقسيم سورية، يحمّل التقرير النظام المسؤولية الأولى عن عسكرة الانتفاضة، ويقول بالحرف الواحد "وتتحمل قوى المعارضة قسطاً من مسؤولية وصول الانتفاضة إلى مأزق الحرب الأهلية". ولكن صقر يحمّل مسؤولية الفرز الطائفي والمذهبي وشرذمة البلاد إلى الجماعات المسلحة التي طردت من مناطقها من لا ينتمي طائفياً لها، ويبرئ النظام، بدليل ما استمرت عليه دمشق واللاذقية كما يقول. وإذ نسأل عن الذي حلّ بريف دمشق الذي يفوقها تعداداً للسكان ومساحة، وسواها من محافظات، نعتقد أن الباحث يوافقنا أن مناطق وجود النظام محكومة بالاستبداد والقمع، وإن تنوعت أطيافها الدينية، بدليل أعداد المعتقلين التي يصعب تحديدها أو معرفة مصائر أصحابها. بينما يذكر التقرير بالحرف: "النظام السوري يتحمل المسؤولية الرئيسية عما آل إليه وضع سورية... وتتحمل قوى المعارضة قسطها، والتي لم تكن أقل وحشية وتدميراً من قوى النظام". وقد ساهمت هذه القوى في تفكيك النسيج الاجتماعي في سورية، على الرغم من انتماء غالبيتها للطائفة السنية، نظراً لأن حجم تفكّكها وتشرذمها، ومستويات خلافاتها وصراعاتها الدموية، وتنوع ارتباطها الخارجية، حوّل أكثرها أدوات تديرها القوى المتدخلة في الحرب الدائرة وفق مصالحها، حيث لا مكان فيها لاستعادة
 وحدة الدولة السورية.
ومن دون مزيد من الشرح، تُرى بعد هذا، هل يمكن أن نتحدث عن دقة التشخيص بين ما نقده أبو فخر وما جاء في التقرير؟ باعتبار أن موجات البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والتطهير واتفاقات إخلاء المسلحين وبيئاتهم الحاضنة، والتي طاولت مختلف المناطق، وغيرها من ممارساتٍ يشترك فيها مع خصومه، أرست الفرز الذي يمهد للتقسيم، بدليل توزع سورية اليوم مناطق نفوذ وقواعد عسكرية، بما فيها "سورية المفيدة"، بين قوى إقليمية ودولية نافذة تبعاً لحجم وجودها الميداني وتدخلاتها في سير المعارك وإدارتها، حيث لم يتبقَ للنظام سوى شكليات وألقاب في غير موضعها، بينما تعقد مؤتمرات تقرير مصير سورية في أكثر من مكان، بمعزل عنه هو وخصومه.
12- أخيراً، وبالعودة إلى مسألة تغيير الاسم، وموعد المؤتمر التي أثارها الباحث، فلا يسعنا القول إن سعينا حثيث نحو بلوغ الهدف الذي لا يختصره الاسم بقدر ما يؤشر له، وهو بناء مقومات الحد الأدنى لمشروع تجديد اليسار الديمقراطي العلماني، وهذا يتحقّق بتضافر جهود تتجاوز إمكانات المنظمة الراهنة نسعى لتوفيرها. وإذا كان الوقت يشكل بالنسبة لنا حافزاً أساسياً نحاول الالتزام به، يبقى الأمل في تحقيق ذلك رهن بذل الجهد الذي يبقى دافعه مصير البلد ومستقبله وقضاياه التي تضع جميع الحالمين بالتغيير أمام تحدّيات غير مسبوقة.
ختاماً، نكرّر شكرنا وتقديرنا لـ "العربي الجديد" وما تقدمه من مساهماتٍ فكرية وثقافية وسياسية تخاطب هموم اللحظة العربية الراهنة، ونشكر للصديق أبو فخر مساهمته في الإضاءة على نقد نتاج فصيل يساري يحاول الإفادة من تجربته، ويطمح لبناء نموذج مختلف يتجاوب مع التحديات الكبرى التي نعيشها، وهي بثقل الجبال التي يشعر بها كل مثقف وثوري عربي يرى بلاده وأوطانه تتفكّك وتتبعثر، وتقع ضحية هجمة متصاعدة للتلاعب الأميركي الروسي والإيراني والتركي وللمشروع الاستيطاني الصهيوني، وسط دمار المدن ونزوح وهجرة الملايين وحرائق سهول القمح في سورية والعراق وكل أرض عربية.
زكي طه