الإعلام بين "الطلاميس" و"التنوير"

الإعلام بين "الطلاميس" و"التنوير"

12 يوليو 2019
+ الخط -
إن وعينا بأهمية دور الإعلام في تشييد صرح المجتمع وتدعيم ركائزه الأساسية الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، الثقافية، البيئية، الأخلاقية، وغيرها من العناصر التي من شأنها أن تلبي التطورات والحاجيات الجديدة للواقع بغية ضمان استقرار وديمومة ماهية المجتمع، فإنه من الضروري التطرق للأبعاد الانحرافية والتشويهية للإعلام التي من شأنها أن تغيّب جوهره، وتجعل منه مجالا مجذّرا لمعاني الرجعية، والجهل والتخلف. فمن مظاهر القنوط الفكري، هو أن يستقطب المنبر الإعلامي، ولعل من أبرزه التلفزي، أشخاصا يضخون دلالات اللامعقول، اللامنطقي واللاعقلاني، إلى مختلف شرائح المجتمع، ليكون بذلك المنبر الإعلامي الوسيط المناسب لتغييب معطى التفكير.
وضمن هذا السياق، استضافت القناة الوطنية التونسية "عرافا" أو "عالم فلك"، على حدّ قول وسائل إعلام تونسية، في برنامج رياضي عنوانه "يوميات الكان"، إثر مرور المنتخب الوطني التونسي إلى ربع نهائي كأس أفريقيا 2019، حيث تطرق هذا "الفلكي" إلى مساهمته الفعالة في فوز المنتخب التونسي أمام منتخب غانا، من خلال إتقانه لبعض "الطلاميس" والطقوس المكتوبة على شكل رموز، والتي بدورها دوّنها على ورقة، معتبرا أن هذه الورقة كان من شأنها أن تقيّد وتكبّل حركة حارس مرمى منتخب غانا لحظة تسديد ركلة الجزاء.
أمر غريب أن يتم استدعاء مثل هذه الشخصيات إلى منبر إعلامي وطني وإعطائه المجال والدقائق اللازمة والكفيلة بنشر اعتقاداته وقناعاته المؤسسة على مجرد تكهنات وتوقعات غير منطقية. كما أنه أمر مريب تحصّل هذا "العراف" على وعد من مقدم البرنامج الرياضي بإعادة بث مقطع تكهنه بالنتيجة الصحيحة للمباراة القادمة. مؤسف أن يتخلّل المشهد الإعلامي التونسي مثل هذه الحالات التي تدل على بروز تجليات الاضمحلال، بل والاندثار الفكري، الأمر الذي يجعل منه مجالا يهدد واقعنا اليوم. فكيف يمكن الحديث عن مجتمع واع يعتد بمعطى التفكير وإعلامه، يساعد على بث غياهب الجهل؟ وهل أن تحقيق الأهداف والإنجازات يحتاج إلى ترهات وآمال زائفة مبنية على افتراضات خيالية؟ أليس من الأجدر تبني أسلوب علمي لحظة تحليل جل الوضعيات، الأمر الذي من شأنه أن يؤسّس لخطاب معقول؟
وضمن هذا التمشي، فإنّ ماهية الإعلام تكمن في تلك الخطابات، الرسائل والمشاهد التي توجهها للشعب بطريقة طريفة، توثيقية، تحليلية، استنتاجية أو كذلك نقدية. وعليه، من الضروري أن يساهم الإعلام في إرساء مفهوم "قدسية معطى التفكير"، ذلك المعطى الذي يستوجب تعميم مقوماته ومناهجه في مجتمعاتنا التي ما زالت تنهل من تقاليد الرجعية والتعصب والاعتقادات البالية. ليتجلى لنا هنا الدور التعلّمي للإعلام، فمن خلال التطرق لجلّ مجالات صرح المجتمع، يؤسس الإعلام التلفزي عن طريق برامجه المتنوعة والمتعددة لبروز حوارات وتحاليل وحلول جوهرها الموضوعية، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار بوادر التفكير العقلاني بين أفراد المجتمع.
الإعلام، كما يقولون "السلطة الرابعة"، ليس منبرا لمعطى الجهل، إنه منبر للتنوير والتطوير.
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
إسماعيل الهدار (تونس)
إسماعيل الهدار (تونس)