في قاعة الامتحان

في قاعة الامتحان

05 يونيو 2019
+ الخط -
لا يختلف اثنان على أن الإنسان، حين يتعرّض للتوتر، يُصاب برغبةٍ وإلحاح لتلبية نداء الطبيعة، وعلى غير موعد ساعته البيولوجية، ناهيك بإنسانٍ يعاني من مشكلاتٍ صحية، لا يستطيع بسببها تأجيل هذا النداء، ولذلك فتوفير مكان لقضاء الحاجة يعتبر من أهم حقوق الإنسان، حتى في السجون. تكلمنا كثيرا حتى تحول كلامنا إلى أسطواناتٍ مشروخةٍ عن عيوب التعليم في بلادنا العربية، وبأن نظام الامتحانات المتّبع في المدارس والجامعات يعتبر من أكثر نظم التعليم فشلاً على الإطلاق، ويخرّج طلابا حافظين، لا فاهمين، ولكن ما يحدث كل عام أن لا تغيير يذكر على نظم الامتحانات، والانتقال من صفٍّ إلى صف، أو من مرحلةٍ إلى مرحلة، ونفاجأ كل عام بحوادث مؤسفة، منها انتحار طالبٍ أو طالبةٍ بسبب النتائج السيئة التي سببها الأول هو فشل النظام التعليمي في معاييره القياسية، ونظرة الأهل والمجتمع لمن لم يحقق تطلعاتهم، علما أن كثيرين ممن فشلوا في الدراسة، ورسبوا سنوات متتالية، أصبحوا من العلماء والنوابغ والأثرياء الذين يحرّكون اقتصاد البلاد.
في حادثةٍ مؤسفةٍ ومشينةٍ، ويندى لها الجبين، ولا يمكن وصفها، ومجرّد تخيّلها يورثك رغبة في القيء، وقراءة تفاصيلها تجعلك تقرّر ألا شيء يمكنه أن يعوّض الطالبة التي وقعت ضحية هذه الحادثة، وهي منع الأستاذ المراقب داخل قاعة الامتحان لها من دخول الحمّام؛ أي تلبية نداء الطبيعة، بذريعة أنها سوف تحاول الغش في الحمّام.
لا خلاف مع المراقب بأن ذريعة دخول الحمّام من أساليب الغش المتبعة والقديمة والمكرّرة للغش، ولذلك يمنع دخول الحمّام في أثناء الامتحانات، ويسمح في حدود ضيقة، مع اصطحاب مرافق أو مرافقة، للتأكد من خلو الحمّام من أي وسيلة للغش تركها الطالب أو الطالبة قبل دخول قاعة الامتحان، علما أن هناك وسائل غش لا يمكن أن يكتشفها المرافق أو المرافقة، مثل كتابة الطلبة على أماكن حساسة من أجسامهم أو إخفاء لفافاتٍ مصغرة تم نسخ الكتاب المقرّر بالكامل عليها بطريقة احترافية.
ولكن الطالبة المصرية ألحّت في طلب الحمّام ورفض المدرّس المراقب، واستطاعت أن تصبر ساعة كاملة ثم عاودت الطلب فرفض المراقب، بحجة عدم توفر مرافقة، ولم يكن أمام الطالبة حل سوى أن تقضي حاجتها في ملابسها في وضع مذلّ ومخزٍ، ويبدو أن قصور المنظومة التعليمية بخصوص الاختبارات أحد أسباب وصول هذه الطالبة إلى هذه المرحلة من الذل والخزي إلى درجة أنها صرّحت: مش حأقدر أدخل الكلية تاني"، وهنا نكتشف أنها لم تفكر أن تغادر القاعة وتتوجه إلى الحمّام فلن تقوم الدنيا وينقلب حالها بسبب رسوبها في مادة.
هناك شعرةٌ واهيةٌ لا تكاد تدرك تفصل بين اللوائح القانونية والإنسانية، وهناك شعرة واهية أيضا لا تكاد تُرى بين الأولويات والثانويات في حياة الإنسان، ولو أن هذه الطالبة تجاوزت هذه الشعرة، لتركت كل شيء، وهرعت نحو الحمّام. ويجب أن يُشار هنا إلى أن أي حمّام في مكان عام، على الرغم من أنه لا يرقى إلى أي مستوى من التجهيز والنظافة، ولكنه يبقى منفذا ومنقذا في الحالات الحرجة التي يصعب فيها الإمساك بزمام ما يعرف بـ"نداء الطبيعة"، مثل العروس التي تكون بكامل زينتها والأنظار مسلطة على جمالها وبهائها، ولكنها تجرّ ذيل ثوبها الأبيض الطويل، وتهرع إلى الحمّام، وسط نظرات الاستغراب التي تلاحقها، وكأن هذه الأجواء التي جعلت منها محط الأنظار سوف تعفيها من الاستجابة لنداء الطبيعة، ولكن الأمعاء لا تعرف أن هناك حفل زفاف، ولا المثانة اللعينة التي يكاد يفلت صمّامها، وترتخي عضلتها، تدرك أنه لا يجدر بها أن تترك ذراع عريسها، وتبحث عن أقرب حمّام في المكان.
القضية التي أثيرت مخزية ومثيرة للشفقة، ولا يمكن لأي تعويضٍ من جهة الجامعة، أو المدرّس المتعنت، أن يشفي غليل فتاةٍ وصلت إلى بيتها كما يصل طفل الروضة إلى بيته، بعد أن قضى حاجته في ملابسه بعيدا عن أمه.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.