هل لدى العرب نجوم فعلاً؟

هل لدى العرب نجوم فعلاً؟

01 يونيو 2019
+ الخط -
يحفل تاريخ السينما العالمية، وهوليوود خصوصا، بالممثلين والمخرجين وكتاب السيناريو، ممن كانوا معنيين بالقضايا العامة والإنسانية، إذ ظهر منهم نشطاء سياسيون واجتماعيون وإنسانيون، بكل ما لكلمة ناشط من معنى وفعل وموقف، قبل أن يكون هناك "فيسبوك" يمكن لأي صاحب بروفايل أن يكتب، إلى جانب مهنته، كلمة "ناشط"، وكانت لهم مواقف واضحة وحاسمة ومعلنة، ولا تحتمل الالتباس أو الازدواجية أو حتى المراوغة! من يتذكّر العظيم مارلون براندو الذي انضم إلى الاتحاد الأميركي لفلسطين الحرة في بداية عام 1947، وإلى حركة الحقوق المدنية لإنهاء التمييز العنصري ضد السكان الأصليين ("الهنود الحمر") والأفارقة في أميركا والعالم، والذي رفض استلام جائزة أوسكار التي استحقها بجدارة عن فيلمه "العراب" عام 1972، احتجاجا على معاملة الحكومة الأميركية للسكان الأصليين، وانتدب امرأةً من هؤلاء السكان الأصليين لتقرأ رسالة رفضه الجائزة في حفل الأوسكار، فيما يشبه صرخة احتجاجٍ عالية ضد الصورة التي يظهر بها الهنود الحمر في أفلام السينما الهوليوودية.
لم يكن مارلون براندو استثناءً في هذا الأمر، فالعظيم شارلي شابلن مثال آخر على كيف يمكن للفنان أن يجعل من أداته الوحيدة التي يملكها (الفن) سلاحا في وجه الظلم والعنف والتنمّر السياسي والاقتصادي، والاستعلاء الرأسمالي الذي شكل قيم المجتمع الأميركي، والمجتمعات الأوروبية التي كانت في طور التحول والاستقرار. لم يعتبر شارلي شابلن أن الفن لا علاقة له بالشأن العام، وأنه يجب أن ينأى بنفسه عن الخوض في السياسة، فانتقد النازية والفاشية، وتمت محاكمته في المحكمة الفيدرالية الأميركية. واضطر إلى مغادرة أميركا إلى سويسرا هربا من المكارثية التي كانت في أوجها ذلك الحين، والتي كان لها ضحايا كثر، منهم العظيم أنطوني كوين الذي جسّد، خلال مسيرته الفنية، عدة شخصيات ثورية، والمرفوضة في العقلية المكارثية، وتجسّد ذلك في فيلم "فيفا زاباتا" مع مارلون براندو، وإخراج إيليا كازان الذي تم ضمّه، إضافة إلى بطلي فيلمه، إلى القائمة الهوليوودية السوداء، لكن كازان سقط، ووشى بأسماء الشيوعيين من أصدقائه، وهو ما لم ينسه له التاريخ، على الرغم من تصنيفه كأحد أهم مخرجي العالم.
من ينسى أيضا سوزان سارندون، المناهضة المعروفة لسياسات الحكومة الأميركية، والمعارضة لحربي فيتنام والعراق، والثائرة حاليا ضد سياسات ترامب؟ ومن ينسى فانيسا ردغريف، البريطانية التروتسكية المناهضة للسلاح النووي، والمؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية؟ من ينسى المخرج الأميركي الشهير، مايكل مور، المناهض للعولمة الأميركية، ولحرب العراق، ولسيطرة الشركات العملاقة، وتحكمها بالسياسات الداخلية والخارجية لأميركا، والذي صرخ صرخته الشهيرة ضد أميركا، بقيادة جورج بوش، في أثناء استلامه جائزة أوسكار عام 2002؟
من ينسى أيضا النشاط الإنساني للممثلة أنجيلينا جولي، واهتمامها الكبير بقضايا اللاجئين، وتفرّغها في السنوات الأخيرة لدعم هذه القضية الإنسانية الشائكة، وزياراتها الدائمة للدول التي تعاني الحروب والمجاعات، ولمخيمات اللاجئين في الشرق الأوسط، وتبنّيها قضية اللاجئين في الأمم المتحدة، ومحاولاتها إيجاد حلول إنسانية حقيقية لهذه المأساة، لا سيما ما يخص الأطفال المشرّدين واللاجئين وضحايا الحروب والمجاعات في دول العالم الثالث؟
وحدهم العرب لا يمتلك "نجومهم" هذه الخصائص، إلا قلة قليلة جدا. وحدهم نجوم الفن والسينما والدراما لدى العرب لا علاقة لهم بما يحصل خارج إطار التصوير الذي يوجدون فيه. وحدهم ينحازون للطغاة وللقوة وللظلم، وحدهم نجوم الفن العربي لا يرون ما يحدث حولهم، وإذا ما أتيح لهم أن يروا فهم جاهزون لتغيير الحقيقة من دون تردّد، فالحقيقة لا تتناسب مع مصالحهم الشخصية، فكل هذا الحصار والقتل والهدم والتشرد والموت والجوع والقهر والفقر والقمع الذي تعاني منه شعوبهم قد يلوثهم وهم المعقمون بمعقمات الطغيان، فلا مانع إذاً من تصوير هذا "القرف" والسخرية منه، والاستهزاء حتى بموت هذه الشعوب، وبتدمير مستقبل أطفالها. ولكن، هل لدى العرب نجوم حقا، أم أن هؤلاء مجرّد ممثلين، بالمعنى السلبي للصفة؟
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.