لبنان.. الإصلاح المليشياوي

لبنان.. الإصلاح المليشياوي

01 يونيو 2019
+ الخط -
أنهى لبنان أخيراً المناقشات الحكومية لإقرار موازنة العام 2019، على أن تخضع للمناقشات النيابية قريباً. في المبدأ، انبثقت الموازنة من الضغط الدولي، الأوروبي تحديداً، من أجل إجراء إصلاحات ضرورية للإفراج عن أموال مؤتمر سيدر في باريس (إبريل/ نيسان 2018). لم تتمكّن الحكومة من تمرير الموازنة سوى بعد تحقيق بند أساسي من بنود "سيدر"، وهو تخفيض العجز بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى خمس سنوات. وبحسب مناقشات الحكومة، تمّ تخفيض العجز في موازنة العام الحالي إلى 7.59%. حتى الآن، تبدو الأمور "مشرقة". يلتزم لبنان خططاً أممية للخروج من مأزق الدين العام، خصوصاً أن مؤشر وكالة التصنيف "ستاندرد أند بورز" توقع أن "تواصل نسبة الدين العام للبنان الارتفاع لتتجاوز 160% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2022، بعد أن كانت 143% في عام 2018". 
فرضت الموازنة ضرائب جديدة، و"إصلاحات" على قطاع الكهرباء خصوصاً. يُمكن القول إن "الأمر ضروري ولا بدّ منه، والتقشّف حتمي". الجيران في حوض البحر الأبيض المتوسط، اليونانيون، سبقونا إلى ذلك، وها هم بدأوا يخرجون من عنق الزجاجة، بفعل السياسات الاقتصادية التقشّفية لحزب سيريزا الحاكم. ولكن، حين تنظر إلى مشروعٍ مخالفٍ في العاصمة بيروت، مغطّى من محافظ بلدية بيروت، ومعتدٍ على أملاك عامة، ولا يوجد من يحاسبه أو يفرض عليه غرامة ما، يحقّ لك أن تسأل عن جدّية هذه الإصلاحات. وحين ترى أن الأملاك البحرية المشيّدة على مشاعاتٍ واسعةٍ من البحر اللبناني، والتي منعت المواطنين من ارتياد الشاطئ ما لم يدفعوا ثمن هذا الارتياد، يحقّ لك أن تسأل عن جدّية هذه الموازنة. وحين ترى أن الموازنة لم تطاول المصارف، ولا الشركات الكبرى، ولا الشركات العقارية التابعة لأطراف سياسية، ولا رواتب النواب والوزراء والرؤساء، يحقّ لك أن تسأل عن مدى استغباء الحكومة والنظام اللبناني للمواطنين.
هذا، ناهيك عن أن أي إصلاحٍ ينطلق خصوصاً من موقعين: الأمن والقضاء. فإذا كان الفساد ينخر هذين المجالين، فعلى البلاد السلام. في الأمن، تتصارع الأجهزة الأمنية على قطف "إنجازات"، ولو على حساب كرامات الأشخاص، كما حصل في قضية الممثل زياد عيتاني، الذي اتُهم بـ"العمالة لإسرائيل"، قبل خروجه بريئاً بسبب فبركة الملف ضده، فيما خرج المفبركون وكأن شيئاً لم يكن. طبيعي أن قضاءً كهذا وأمنا شرعيا غير مضبوط لن يكونا حماة لأي إصلاحٍ.
كيف يمكن أن تقرّ موازنة، فيما جميع الأحزاب والمليشيات التي سرقت ونهبت واستفادت من منظومة الدولة، ما زالت مهيمنة على مواقع القرار؟ طبعاً، ما فعلته الحكومة، مسنودة بنظامٍ لبناني فاسد، هو حماية مكتسباتها على حساب حقوق المواطنين، خصوصاً حقوق من لا ينتمي إليهم. غنيّ عن التعريف أن "الديمقراطية" في لبنان هي "توافقية" هذه الأحزاب والمليشيات في تقاسم السلطة فيما بينها، عبر شراء الذمم والأصوات وإقرار قوانين انتخابية تلائمهم. وإذا شعروا أن الوعي بدأ بالتسلّل إلى نفوس اللبنانيين، يقومون بحملةٍ طائفيةٍ مقيتة، فينقسم البلد، ويعود كل فرد إلى طائفته، ظالمةً كانت أم مظلومة. يدرك السياسيون ذلك، فالعنصر الطائفي أبرز سلاح في أيديهم. كما أن كثيرين من خصوم هذه المنظومة أغبياء، لا يدركون أهمية رفع شعارات مدنية ومواطنة، بعيداً عن الطائفية، بل ينزلقون إلى حيث تريد هذه المنظومة، فتتشتت الأولويات، ونجد أنفسنا في حالة أسوأ. ملف النفايات نموذجاً، فبعد صرخة الشعب عام 2015، لمواجهة أزمة تراكم النفايات، بات الملف شبه منسي، ومن دون معالجة، وتقريباً لم يعد مطروحاً على طاولة النقاش. عمليا، لم ينتهِ الحصار المليشياوي ـ المافيوي للدولة، بل يعيد إنتاج نفسه بصورة "إصلاحية" وأكثر "عصرية".
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".