على هامش مسلسلات رمضان

على هامش مسلسلات رمضان

21 مايو 2019
+ الخط -
يُدرك جيّدا ممتهنو المسرح والسينما والتلفزيون أن حُسن الأداء هو من أهمّ عوامل إنجاح عمل، إنقاذه أو إفشاله، كما يدرك الممثّل جيّدا أن أكبر التحدّيات التي تواجهه يكمن في جعل أدائه حقيقيًّا، مقاربًا للواقع ما أمكن، وذا مصداقيةٍ تجعلنا، نحن المشاهدين، نتماهى مع الشخصيّة في تقلّب أحوالها، متعاطفين معها أو نافرين منها، بحسب ما يُمليه عليه دورُها. وبغضّ النظر عن متانة السيناريو أو رثاثته، عظمة الإخراج أو رداءته، يحرص النقّادُ والمختصّون، في أثناء تقييماتهم، على الفصل بين تلك الأقانيم الثلاثة المتكاملة، وهي حسن الأداء، جودة النصّ الدراميّ، والإخراج. 
في ما يخصّ حُسن الأداء، تُجمع الأغلبية الغالبة من احترافيّي هذه المهنة على اعتبار منهج المخرج والممثّل المسرحي الروسي الشهير، كونستانتان ستانيسلافسكي، كما هو مشروح في كتابه "إعداد الممثل"، من أفضل الطرق التي تمكّن الممثّلَ من امتلاك أدواته وتطويرها. ومن بين أهمّ ما يشير إليه الكتابُ، ويركّز عليه، الإحساس بالصدق في أثناء تأدية الممثّل دوره، والعمل على توفير المزاج أو الجوّ الخلاق، من خلال تفادي التمثيل الآلي، وتجنّب القوالب الجاهزة. هكذا، ترانا نحفظ لبعض الممثّلين أدوارًا نَسِمُها بالرَّوعة والعبقرية، وبأنها لحظات تجلٍّ استثنائيّة لا تتكرّر، وقد طبعت ذاكرتَنا الجماعيّة وأثْرتها، كما كان أداءُ الممثّلة الإيطاليّة آنّا مانياني في فيلم "روما مدينة مفتوحة" لروبيرتو روسيلليني، أو في فيلم "الرجل ذو جلد الثعبان" الذي جمعها بمارلون براندو، وأداء بيت ديفيس في فيلم "كل شيء عن حواء"، هي التي حصلت على جائزة الأوسكار مرتين أفضل ممثّلة عن دوريها في فيلمي "خطر" و"جزيبل"، أو كاثرين هيبورن التي تعتبر أهمّ ممثلة في تاريخ هوليوود، إذ نالت ثلاث جوائز أوسكار عن أدوارها في "خمّن من سيأتي إلى العشاء"، و"الأسد في الشتاء"، و"على البركة الذهبية".
وإذ يتمّ تناسي ذكر ممثّلين كبار لا يقلّون أهمية وبراعة عن تلك الممثّلات المذكورات، فلأنّ هؤلاء كنّ من الأكثر موهبةً باعتراف الجميع، على الرغم من أنهن لم يكنّ ذوات جمالٍ صاعقٍ، أو غواية أخّاذة، بالمعنى الشائع أو المتعارف عليه. لقد كانت آنّـا مانياني وبيت ديفيس وكاثرين هيبورن، وكثيرات سواهنّ من الممثّلات الكبيرات من أمثال سوزان ساراندون وجولييت بينوش وسناء جميل ومادونا غازي ورضى خوري وليلى كرم وعلياء نمري، إلخ، أكثر من عاديّات، لا يكترثن لشكلهنّ البتّة، حين تخدم عيوبُ وجوههنّ، وخلوّها من المساحيق، الأدوار التي يقمن بأدائها. أجل، بل إنهنّ قد يتقبّحن لكي يكسبن الوجوهَ المتعبة، الحزينة، المتقدّمة في السنّ، والملامحَ التي أنهكتها الحرب، أو الشقاء، أو الضغينة أو الحبّ، فكنّ بهذا يشععن ويزددن ألقا ووهجا.
والحال، لستُ أدري متى درجت موضة الممثّلات المتجمّلات، أي أولئك اللواتي يبدّلن طبيعة ملامحهنّ لكي ينعدم فيها كلُّ تعبير طبيعيّ، فيدققن حواجبهنّ بالأسود السميك، ويضعن رموشًا وشعورًا اصطناعية، وينفخن خدودهن وشفاههن، ويقبلن على أنفسهنّ أن يستيقظن من النوم وهنّ مصفّفات الشعر، تزيّن الحمرة والكحل وجوههنّ، أو أن يقفن في المطابخ بثياب السهرة وكعوب عالية، أو أن يؤدّين أدوارهن، على اختلافها، وهنّ أقرب إلى دمية عرض في واجهة محلّ؟ متى ظهرت تلك الممثلات اللواتي لا يكترثن لعمق الشخصية، لمعاناتها وتحوّلات مزاجها وتعقيد مشاعرها، أو حتى لهيئتها التي لا بدّ أن تشكو من نقصٍ ما أو عيب؟ والحقيقة أن جزءا من مسؤولية تخريب ذوق الممثلات يقع على عاتق مخرجي المسلسلات الدرامية الذين يقبلون أن تقع أمام كاميراتهم مثل هذه المجزرة الجمالية، فيستغرب الواحدُ كيف أنهم يقبلون بمثل هذا، فلا "يُرغمون" ممثّلاتهم على مبارحة هذه التفاصيل الغبيّة التي لا تفيد المسلسل، ولا أداءهم، بل هي تنزع عنهم كل ملاحةٍ ومصداقية.
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"