نظرية الخلل الفني

نظرية الخلل الفني

08 ابريل 2019
+ الخط -
اعتادت القيادات الفلسطينية، خلال فترة الانقسام السياسي، على الهروب من الواقع، باستخدام مصطلحات إعلامية جديدة، تم تسويقها (المصطلحات) على أنها المخرج من الواقع الحقيقي، بالاحتيال على الظروف الصعبة التي تعيشها تلك القيادات. وراج، خلال الفترة الماضية، استخدام مصطلح "الخلل الفني"، فقد استخدمه موظفو السلطة الفلسطينية وقياداتها، للتعبير عن خصومات طالت الرواتب الخاصة بموظفي السلطة في قطاع غزة، وتمّ التذرع مرات من رأس الهرم الفلسطيني بأن "الخلل الفني" هو المسؤول عن حجب الرواتب عن الموظفين الذين تم اقتطاع رواتبهم، لأهداف سياسية وأخرى عقابية.
ولم تُخف حركة حماس احتفاءها بالمصطلح، فقد استخدمه رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، أخيرا بوصفة الصاروخ الذي ضرب تل أبيب بـ "الخلل الفني". وتستمر حلقات الترويج عبر وسائل الإعلام للمصطلحات وتسخيرها لمصالح سياسية وغايات حزبية، من أجل الهروب من الحقيقة، وإن كان ذلك مُباحاً في لغة السياسة، فإنه يبقى مكشوفا وواضحا وجليا لأفراد الشعب كافة.
منذ بزغ فجر الانقسام الفلسطيني، يعيش المواطن في الضفة الغربية وقطاع غزة منفرداً بعيداً عن التفاصيل الدقيقة لحياة السياسيين وصُناع القرار، فيتم اتخاذ القرارات الوطنية والمصيرية من دون العودة إلى الحاضنة الشعبية، ومن دون الاهتمام برأي الشارع وتوجهاته، خصوصا بعدما تم إغراق المواطن بهموم الحياة اليومية واللهث وراء رغيف الخبز، وتأمين رسوم التعليم والصحة، والبحث عن فرص اقتصادية ومعيشية تساعد المواطن الفلسطيني على التغلب على معارك الحياة الطاحنة، فقد ارتفعت فاتورة الحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصبح المواطن هو من يمثل وحده مصدر رزق للحكومات ولجيوب السياسيين، وهو بمثابة المشروع الاقتصادي المُدر للدخل على الحكومات، سواء في غزة أو الضفة الغربية، من خلال فرض الضرائب والرسوم الجمركية، والرسوم على الخدمات المدنية، وارتفاع في أسعار المواد الغذائية والإنشائية والخدمات العامة وغيرها.
من المتوقع أن تستمر موجة "الخلل الفني" خلال السنوات المقبلة، فيتم تسكين الواقع وتحميل الأخطاء والتصرفات الفردية للمسؤول الأول، والذي يتمثل بـ"الخلل الفني"، كي يتم تبرير كل التوجهات السياسية والاقتصادية تحت مسميات فضفاضة، تحقق الأهداف الخاصة والضيقة، وترمي الكرة في ملعب المواطن. وهذا ما نسميه في لغة الإعلام بـ"بالون الاختبار"، حيث يتم قياس توّجه الرأي العام تجاه قضية سياسية أو اقتصادية، فإذا تقبلها الشعب يتم الإعلان عنها ويتم تنفيذها، وإذا رفضها، تسارع النخب والقيادات السياسية إلى النفي ورفض الفكرة، وتخرج علينا بمصطلح جديد، له علاقة بنظرية المؤامرة، وأن جميع الأفعال والأقوال والتصرفات لها علاقة بالمؤامرة الكونية على الحكومة، من أجل النيل منها، وثنيها عن تقديم خدماتها للمواطنين.
لقد فشل سياسيو البلاد في إقناع الناس بأن الخلل الفني هو المسؤول عن تردّي أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، واقتنع الناس بأن ذلك الفشل ناتج عن سوء إدارة تلك القيادات السياسية وعدم قدرتهم على مجاراة الأحداث وتقدير المواقف السليمة المبينة على العلم الحديث في استيعاب كل قوى الشعب تحت مظلة الوطن، يجمع الجميع ولا يفرق بين أحد منهم، وأن الحقوق توّزع بالتساوي ووفقاً للقانون والعدالة الاجتماعية، ومع غياب تلك القوانين الضابطة والناظمة للعلاقات الاجتماعية والقانونية في المجتمع، حيث يتحكّم القوي بمفردات السلطة، ويُسخرها لخدمة أهدافة، من دون الالتفات لحاجة الناس ومصالحها.
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)