الاكتئاب.. الفرع السياسي

الاكتئاب.. الفرع السياسي

15 ابريل 2019
+ الخط -
الحاجة أُم الاختراع. ولكن في الحالة الفلسطينية الوضع دائماً يبدو مختلفاً، فقد فشل الأطباء في تشخيص الأمراض التي يعاني منها الفكر السياسي في النظام الفلسطيني، وربما فشلوا أيضاً في البحث عن الدواء المناسب، لحالة الاكتئاب التي يعاني منها سياسيو البلاد، نتيجة عدم قدرتهم على تخطي الصعاب وإيجاد الحلول المناسبة للمواطن.
الاكتئاب بطبيعته مرض نفسي يُصيب الإنسان وربما الحيوان، ولكن أن يتم التعاطي مع المرض بأنه اكتئاب سياسي، فهذا أمر خاص فقط بالحالة الفلسطينية، لأنه يوجد لدينا عدد لا بأس به من الفصائل الفلسطينية، اليمينية واليسارية والإسلامية والشيوعية، حيث تتنافس تلك الأحزاب والفصائل تحت وطأة الاحتلال على أيّها يخدم أجندة الاحتلال أكثر، من خلال تعاطي حبوب مخدرة تُسمّى التفاهمات والمفاوضات والتنسيق الأمني، وغيرها من مسميّاتٍ أضاعت القضية الفلسطينية وأوصلتها إلى البحث في مفردات الطعام والمال مقابل الحياة، من دون الحديث عن الهوية والقدس واللاجئين والحدود والمياه وإقامة الدولة.
مما يزيد من حالات الاكتئاب أن الاحتلال الإسرائيلي الذي نسعى إلى إنهائه عن أرضنا يُمارس طقوس الديمقراطية والانتخابات، ويُعطي شعبه حُرية الاختيار كُل أربع سنوات لتجديد القيادة وتغيير الجينات السياسية في المجتمع من أجل ضمان التطور في المجتمع، وكي يأخذ الجميع مكانه ودوره في البناء والحفاظ على النظام والقانون. أما نحن فقد يَمرُ نصف قرن على قيادة إحدى الشخصيات الفلسطينية لقيادة حزبه السياسي، من دون أن يكل أو يمل من القيادة والإدارة، بكل عجرفتها وحماقاتها وإخفاقاتها. ليس ذلك وحده عاملاً لزيادة حدة الاكتئاب في المجتمع، بل ربما تتسارع بعض الفصائل الأخرى في إصدار بيانات الإدانة والاستنكار والتنديد والتمديد بالمواقف السياسية المُعادية للمشروع الوطني، وكأن مُهمتها الأساسية أصبحت إصدار البيانات والتصريحات الصحافية فقط.
تتنوع حالات الاكتئاب السياسي في التمني بالحصول على مُكتسبات جديدة بين سياسيي الوطن، فما إن تسلم محمد اشتية كتاب التكليف برئاسة الوزراء للحكومة الجديدة، حتى انتشرت حُمى المستوزرين والباحثين عن اللقب الأسمى "معالي الوزير"، تلك المعالي التي تختلف عليها الآن قيادات الفصائل الفلسطينية الصغيرة، من أجل اللحاق بركب من سبقهم ولنيل شرف الصفة والانضمام إلى نادي الوزراء السابقين واللاحقين، في وطنٍ لا يحتاج إلى وزراء، بقدر ما يحتاج إلى رجال يُمثلون هموم المواطن قبل الوطن، لأن الوطن بخير طالما كان المواطن كذلك. ولكن الواقع هو العكس، فالوزراء يبحثون عن الخير في جيوب المواطن، ويتعطشون لنيل صفة الوزير.
الحُمى أصبحت مُعدية مع انطلاق سباق الظفر باللقب، كُل يبحث عن الطريقة المؤدية إلى قلب الرئيس وعقل رئيس الوزراء، كُل جند جنوده وشحن مواقعه وأبرز وجهه المستوزر، وبأنه أحقّ بالوزارة من أخيه، إذ دبّ الخلاف في صفوف اليسار واليمين، وباتت الأحزاب تنهار وسال اللعاب على وزارة تُمثل حلماً وطوق نجاة لآخرين، وذلك كي يمشي الوزير مختالاً بنفسه بين حاشيته وموظفيه، وينادوه بمعالي الوزير وعطوفته والحاج والكبير.. لتُضاف حالات جديدة إلى سجل المرضى بالاكتئاب السياسي.
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)