ماذا فعلت بنا يا روبرت مولر؟

ماذا فعلت بنا يا روبرت مولر؟

02 ابريل 2019
+ الخط -
طوله الفارع، وتقاطيع وجهه الصارم، وصمته المطبق على مدى اثنين وعشرين شهراً، كانت عوامل ترفع من درجة التوقعات لدى المتفائلين بدنو الأجل السياسي لدونالد ترامب، وتحملهم على الاعتقاد، مع مرور الوقت، أنهم أمام مفاجأة مدوية، يعدها المحقق الخاص روبرت مولر، من شأنها أن تقوّض مكانة الرئيس القادم من عالم العقارات، وقد تُفضي به إلى المحاكمة، وتريح العالم من فوضى أفعاله وأقواله عما قريب. وأحسب أن مولر كان، طوال نحو عاميْن مسكونيْن بالرجاء، بمثابة بطل سرّي للملايين داخل أميركا وخارجها، ينظرون إليه بكل تقدير، يعوّلون عليه كثيراً، ويحثّونه، في سريرتهم، على الاستعجال، بل ويخشون عليه من العزل، ويتمنّون له النجاح في إحداث اختراقٍ طال انتظاره، لا سيما أن تهور ترامب كان يتزايد في كل الاتجاهات، وكانت رعونة قراراته تتّسع كلما فتح فمه، فيما لم يتبق من سبيلٍ لوقفه عند حدّه سوى الرهان على تقرير مولر، المرتقب من الجميع.
غير أن المفاجأة أتت مخيبة لآمال الملايين في أربع جهات الأرض، وجاءت تداعياتها صادمةً حقاً لمن منحوا روبرت مولر شيكاً على بياض، بنوا عليه الآمال، واعتبروه بطلاً غير متوّج جاد به الزمان، وذلك عندما أخرج المحقق ترامب من جبل الاتهامات كما تخرج الشعرة من العجين، وبرّأ الرجل البرتقالي بجرّة قلم، على عكس ما كان يشتهي كل من كان يمنّي النفس بقرب انقضاء عهد رئيسٍ مندفع وخطير، وكل من ضاق ذرعاً بنزعة الاستعلاء والغرور المستحكمة بخطاب السيد الأبيض، المتفاخر بامتلاكه أكبر زرٍّ نووي على الإطلاق.
كان من المأمول أن يعيد مولر ضبط عقارب الساعة الأميركية، وأن يمنح الأميركيين فرصة إعادة انتخاب رئيسٍ أفضل، يستحقه البلد العظيم من دون ريب، وأن يزعزع مكانته بعض الشيء على أقل تقدير، إذا عزّ عليه بلوغ الأرب الشهي، إلا أن المحقق الذي تنازل عن إجراء مقابلة شخصية مع المتهم لسببٍ غير مفهوم، وغير مسبوق، ذهب عكس اتجاه دوران الأرض، فأعطى الذئب شهادة براءة من دم ابن يعقوب، وأجزل له العطاء بمنحه مزيدا من الشعور بالقوة الذاتية والجدارة والاعتداد بالنفس.
من شبه المؤكد أن الرئيس الأميركي الذي تلقى دفعة معنوية بعد صدور تقرير مولر، وخرج أبيض شديد البياض، سوف يكون أكثر اندفاعاً من ذي قبل، وأشدّ استخفافاً بخصومه ومنتقديه بعد اليوم، فيما السياسات الهجومية التي اتبعها ترامب ضد مختلف الدول، بمن فيهم الحلفاء الأوروبيون، قد ترتفع وتائرها من الآن فصاعداً، لا سيما على صعيد العقوبات الاقتصادية، الأمر الذي من شأنه جعل العالم أكثر اضطراباً، وربما أشد خطورة مما كان عليه خلال النصف الأول من ولاية الرئيس المتهوّر.
لا نعرف كيف سيتدبر الأميركيون أمورهم، بعد اليوم، مع رئيسٍ يستخف بالإعلام والنساء والقضاء والمهاجرين والسود، وقد انتقل في مواجهة كل هؤلاء، من موقع الدفاع إلى منصة الهجوم، إلا أننا نعرف، في المقابل، أن الذين سحبوا نفساً عميقاً قبل اثنين وعشرين شهراً، ولم يطلقوه في انتظار تقرير مولر، في طهران وكراكاس وبيونغ يانغ، وفي عديد من عواصم أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأميركا الجنوبية، قد أسقط بيدهم من جديد.
والحق أن كثيرين في بلادنا كانوا على وشك أن يفركوا أيديهم فرحاً بما سيتضمنه تقرير مولر من إدانات محتملة، قد تؤدي بترامب إلى ساحة القضاء، خصوصاً في فلسطين، بعد اعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي سورية بعد اعترافه بسيادة الدولة المحتلة على الجولان، حيث كان المتوقع أن يزعزع التقرير الموقف القانوني والأخلاقي لرئيسٍ فقد أهليته، وأن يكبح جماحه إزاء قضايانا على نحو ما. غير أن الآمال المعلقة على نتائج تقرير مولر ذهبت، في رمشه عين، مع الريح، وبتنا اليوم أمام احتمالاتٍ مرجّحة أكثر بفوز ترامب بولاية ثانية مع الأسف الشديد. وبالتالي، نحن أمام مزيد من قراراتٍ إضافية جائرة، قد يصدرها الرجل الذي يصفه غلاة اليمين هدية الرب لإسرائيل.
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي