قبل ظهور سيسي الجزائر

قبل ظهور سيسي الجزائر

13 مارس 2019
+ الخط -
لم يكن لمشهد احتفال ألوف الجزائريين بإعلان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة تراجعه عن الترشح لعهدة رئاسية خامسة، سوى أن يعيد إلى الذاكرة لحظةً تاريخية مشابهة، وإن بدت، في حينها، أشد وقعاً، وأبلغ معنىً، هي لحظة تنحّي الرئيس المصري، حسني مبارك، عن منصبه، في فبراير/ شباط عام 2011، نزولاً عند إرادة نحو مليون مواطن، كانوا يحتشدون في ميدان التحرير، تحت شعارات إسقاط النظام.
وإذ دفع الحدث المفاجئ ناساً كثيرين، في الحالين، إلى الظن بأن حلم الانتصار الناجز على حُكْم الديكتاتورية الفاسدة، قد صار واقعاً ملموساً، يفتح أبواب البلاد على عصر الحرية والعدل والكرامة الإنسانية، فإن الملدوغين من خديعة العسكر الثورة في مصر وجدوا أنفسهم يضربون أخماساً بأسداس، ليحاولوا التكهّن بما قد يحدث بعد التنازل الذي قدّمته السلطة في الجزائر أمام الحراك الشعبي.
هناك، أي في مصر، لم يشكّك أحدٌ علناً بهزيمة نظام مبارك، عندما خرج نائبه اللواء عمر سليمان ليعلن تنحّيه عن الحكم، بعد مرور ثمانية عشر يوماً على اندلاع ثورة "25 يناير". كانت الفرحة الشعبية العارمة في أوساط ملايين المصريين والعرب أعلى صوتاً، وأوسع مدى، وأعمق أثراً، من أن تخترقها دعوةٌ إلى الحذر، أو همسة ارتياب، واحتاج أبناء الثورة أنفسهم شهوراً، وسنوات، ليستيقظوا بعد فوات الأوان، على وقوعهم ضحايا لعبةٍ جهنمية، بدأت بمنحهم انتصاراً وهمياً كاذباً، ثم تواصلت بسلبهم كل قدرةٍ على التأثير في مسار الأحداث، منذ إسناد مهمة التغيير إلى حكومةٍ تشكّلت من رجال النظام القديم، وحتى ما بعد وقوع الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع، عبدالفتاح السيسي، وأطاح التجربة كلها، مُدخلاً البلاد في حقبة قمعٍ دمويةٍ، تزيد قسوتها، بما لا يقاس، عن قسوة سابقتها، ويُراد لها، ومعها نماذج أخرى في العالم العربي، أن تدفع الناس إلى التوبة عن فعل التمرّد على حُكَّامهم.
أما في الجزائر اليوم، وهي التي كسرت حاجز الخوف، في زمن تأجّج الثورات المضادّة، وخرج أبناؤها إلى الشوارع، منذ نحو ثلاثة أسابيع، مطالبين بالتغيير، فإن الانتصار الذي حصل عليه الحراك الشعبي، بإعلان بوتفليقة انسحابه من الترشّح للرئاسة، ما زال أصغر حجماً بكثير من ذلك الذي ناله ميدان التحرير حين تنحّى مبارك عن الحكم، وإن كان يشبهه من حيث آليات افتداء النظام ببعض رجاله، وكذا من حيث شيوع مشاعر النشوة في أوساط المتظاهرين، بينما يختلف عنه في تعالي أصوات التشكيك بإسقاط العهدة الخامسة، لصالح إعادة جدولة العهدة الرابعة، أو تمديدها، إلى زمنٍ لا يعلمه غير الله، بعيداً عن صناديق الانتخابات، وحساباتها المثيرة لمواجع الديمقراطية.
لكن الثابت الأهم، في المقارنة بين التجربتين، ربما يجد تعبيره إلى الآن في قرب انتهاء بوتفليقة، مثلما انتهى مبارك، من أجل أن يبقى نظام الحكم الذي يتشكّل هنا، كما هناك، من تحالف جنرالات الجيش مع رجال المال، وهو ما يضع الجزائر أمام احتمال تكرار السيناريو الذي مرّت فيه مصر، بدءاً بالانتخابات، أو من دونها، مروراً باحتدام الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ووصولاً إلى ظهور نسخة جديدة من عبدالفتاح السيسي، يضع حداً للحكاية كلها، ويعيد الوضع إلى ما قبل المربع الأول، بالحديد والنار.
قد يقول قائل إن إسقاطاً، كهذا، لتجربةٍ على أخرى، يفتقد إلى مراعاة تبايناتٍ كثيرة بين البلدين أو بين شعبيهما، أو بين ظروفهما، وذاك قولٌ قد يكون فيه ما يستدعي النقاش، اتفاقاً واختلافاً، غير أنه لا يمنع، في كل الأحوال، من صيحة تحذير إلى الجزائريين؛ انتبهوا إلى السيسي الذي ما زال وراء الستار، وسدّوا طريقه إلى قصر الرئاسة، قبل أن تسد دباباته طريقكم إلى مرابع الحرية.
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني