عن حملة "خليها تعنّس"

عن حملة "خليها تعنّس"

06 فبراير 2019
+ الخط -
دشّن شباب مصريون، قبل عدة أيام، حملة تحت عنوان "خليها تعنس"، من خلال "فيسبوك" و"تويتر"، الموقعين الأكثر إقبالا من الجمهور العربي، وتهدف الحملة إلى مقاطعة الزواج، في خطوة غريبة لمواجهة ارتفاع تكاليفه، وتعنت الفتيات وذويهن.
ليست هذه الحملة جديدة، انطلقت في العام 2016، وحين لم تُحدث تأثيراً وتجاوباً، جرى تفعليها هذه الأيام بالتزامن مع حملة جديدة "خليها تصدي.. زيرو جمارك"، لمكافحة جشع وكلاء بيع السيارات المستوردة، فهل تشير هذه الحملة إلى تسليع المرأة بصورة غير مباشرة، ومن الذي حوّلها إلى سلعة؟ الأهل أم الفتاة نفسها أم العادات والتقاليد، أم الرجال أنفسهم؟
هذه الحملة التي لا يُتوقع لها أن تلقى أي صدىً، وسوف تخمد ثانيةً، تدعو إلى مقاطعة الزواج ردا على حال الشباب المصري خصوصا، والشباب العربي عموما، وخرج كثيرون يدعون إلى عدم الزواج من بنت البلد؛ لأنها تضع شروطاً، وتكاليف الزواج بها خيالية، حيث يصل مهر الفتاة في أرياف مصر إلى نصف مليون جنيه تقريبا، في حين أن الشباب المصري هو من الأقل دخلا، ولكن يبدو أن خروج فئة من الشباب المصري للعمل خارج البلد، وتوفيرهم مبالغ من المال، في مقابل تأخر سن الزواج، قد دفع الأهالي إلى التقليد ومساواة الشاب الذي بالكاد يحصل على مستلزمات حياته اليومية. وفي سن الزواج، يقارن بالشاب الذي تجاوز الثلاثين واقترب من الأربعين، وفقد معظم شَعره، وبدأ منحنى هرموناته الذكورية ينحدر، ولكن ذلك كله لا يلتفت إليه أمام توفير متطلبات الحياة من البيت والسيارة الخاصة والأثاث الفاخر.
لا أحد توقف وتساءل عن أسباب ارتفاع تكاليف الزواج في البلاد العربية، وهل الأهل ينظرون إلى ابنتهم سلعةً، وهل تميّز البنت العربية بعذريتها يؤدي إلى هذا التعنت من ناحية الأهل، وهل نظرة الأهل إلى أن الزوج مثل "البطّيخة"، ولا أحد يعرف حظ البنت في لونها وطعمها، ولذلك يجب تأمينها، وهل يرون أن التكاليف الباهظة سوف تقيد الرجل، ولن تجعله "يلعب بذيله"، وسوف يسير على الصراط المستقيم مع ابنتهم، وسترتاح الابنة، لأن الرجل سوف يقضي سنواتٍ من عمره وهو يسدّد الأقساط والقروض، أو أن الحياة الزوجية، في نظرهم، لا تستقيم إلا بالرفاهية، وتوفير كل ما يلزم وما لا يلزم، عملا بالمثل الذي سمعناه في الأفلام العربية القديمة حين يقع الشاب الفقير في غرام الفتاة الثرية، فيتنهد ويردّد وهو يودعها "إذا دخل الفقر من الباب، سيخرج الحب من الشباك". والحقيقة أن الحب سوف يولّي فارّا من الباب نفسه، لأن الحياة قاسية، والمغريات كثيرة، والنفس البشرية لم تتعلم الرضا والقناع، والمغريات، وأي مغرياتٍ نتحدّث عنها، وفي كل عام، وبعد خروج الإحصائيات أن معدلات العنوسة بين الجنسين، "لاحظوا أن لقب عانس ينطبق على الذكر والأنثى"، قد ارتفعت عن العام السابق. وعلى الرغم من ذلك، تدخل المغريات في صراعٍ مع التقاليد وتقودها خلفها، والمغريات التي تطل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مثل ترويج الشقق التي تطل على البحر، والأثاث المصنوع من الخشب الفاخر، والستائر التي تزاح بالتحكّم عن بعد، والمصنوعة من قماش غير قابل للاشتعال، وغيرها، وحدّث ولا حرج، فهذه المغريات تقود التقاليد وتمسك بيدها بقوة، لكي تصبح جبهةً قويةً أمام إرادة الشباب في الحلال وعفة النفس، والمغريات التي يراها الشاب في الشارع، وعبر مواقع التواصل، يجدها رخيصة مقابل الحلال، فلم يلجأ إلى الحلال؟
نادرا ما تفكّر الفتاة التي تريد زوجا لتبني بيتا أنها تريد إنسانا، وتنتصر لإرادة الأم ورغبة الأب، ويزوغ بصرها مع العروض المغرية، والشاب الذي يريد فتاة ينتصر لعينيه وغريزته. ولذلك تأخر سن الزواج للجنسين، وكثرت الفتن، وستفشل كل حملة لتيسير توفيق رأسين في الحلال، وسوف "تعنّس أنت وهي".

دلالات

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.