المساواة بين الجنسين.. العرب والعالم

المساواة بين الجنسين.. العرب والعالم

01 مارس 2019

تونسيات يطالبن بالمساواة بين الجنسين في العاصمة (13/8/2018/Getty)

+ الخط -
يشتق مفهوم المساواة بين الجنسين في الدول العربية مُحدّداته وتعييناته من الأنظمة الحاكمة. تتراجع المساواة وتتقدم، تبعًا لطبيعة النظام ومدى انفتاحه. لا يمكن ترسيخ العدالة الجندرية (المساواة) في ظل أنظمةٍ سياسيةٍ تُعنى على الدوام بصناعة التفسّخ، فالمساواة بين الجنسين هنا تحمل ملامح ديموقراطيةٍ، في بيئةٍ تنبذ الاختلاف وتفضل التشابه. وتقتضي المساواة وجود ندّين، في حين أن الأنظمة أحادية، تستعين بالمرتزقة، وتقتل مئات الآلاف، وتشرد الملايين، وتدمر المدن، لتبقى أحادية "إلى الأبد".
وتتطلب مكافحة التمييز ضد النساء شرطًا ديمقراطيًا بالضرورة، يتيح وصول الجميع إلى الموارد المختلفة، بغض النظر عن جنسهم. ولذلك، تميز أحوال النساء دائمًا اعتلال المجتمع من صحته، وكلما كانت السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ضامرة، تقلصت حصص النساء من الصحة والتعليم.
لا يمكن لعمليات المساواة بين الجنسين أن تقطع أشواطًا متقدّمة في بلدٍ غير مستقر سياسيًا. هش اقتصاديًا واجتماعيًا، تستفحل فيه الأمية بكل أنواعها. تستوجب النظرة المنصفة للنساء الوعي بحقوق المرأة، ونشره، وصولًا إلى ردم الفجوة عبر ترسيخ ذلك الوعي. ويعكس حال النساء العربيات أحوال مجتمعاتهن. هنّ رهينات سلسلة شروط متشابكة في تلك المجتمعات. ولذلك تكون عمليات تقليص الفجوة بين الجنسين معقدة، وتحتاج روافع فكرية عديدة، ترافقها تعبئة موارد مالية كبيرة، وليست هذه الأعباء والتكاليف مخصصة للنساء فحسب، بل لشرائح المجتمع كافة، لإعادة تأهيل الوعي الجمعي وتنقيته من الشوائب التي تراكمت عبر أجيال.

تعريف المساواة
تأخذ المساواة بين الجنسين معناها الحقيقي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر/ كانون الأول عام 1948، فقد شملت مواد 
الإعلان الذكور والإناث على حد سواء، "يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق.. لكل إنسانٍ حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، ... أو المولد، أو أي وضع آخر".
كان جوهر هذا الإعلان الأرضية التي انطلقت منها الدعوات والأنشطة اللاحقة، الخاصة بتضييق الفجوة بين الجنسين، في وقتٍ تتضاءل فيه مشاركة النساء في القرار السياسي وأسواق العمل داخل بلدانهن، وتتقلص حصصهن في التعليم والرعاية الصحية.
تُحيل الجنسانية (Gender) إلى مفهوم النوع الاجتماعي (الخصائص البيولوجية)، أو الأدوار والسلوكيات المحدّدة اجتماعيًا لكل من المرأة والرجل، ولا علاقة لها بالاختلافات العضوية، أي الصورة التي ينظر بها المجتمع إلى المرأة والرجل، والخصائص المتعلقة بالنساء والرجال التي تتشكّل اجتماعيًا وثقافيًا، في حين تشير كلمة جنس (Sex) إلى التقسيم البيولوجي بين الأنثى والذكر. وقد بدأ الحراك الدولي لمكافحة التمييز ضد المرأة منذ مؤتمر نيروبي عام 1985. وفي يوليو/ تموز 2010 أنشأت الأمم المتحدة "هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، بهدف "تسريع التقدم المحرز في تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة". وما كان للأمم المتحدة أن تُنشئ وكالة مختصة بالنساء، لولا "الفوارق الصارخة بين الجنسين في المجالات الاقتصادية والسياسية. هناك حاجة لتغييرات قانونية وتشريعية عميقة. وفي حين أن 143 دولة ضمّنت المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها بحلول عام 2014، إلا أن هناك 52 دولة لم تقم بهذه الخطوة بعد".

في الدول العربية
تعكس نظرة الرجال العرب إلى النساء في مجتمعاتهن تراكمًا تاريخيا، ومحصلة لعادات وتقاليد وثقافة اجتماعية كرست أن المرأة لـ "المنزل فقط"، وأنها مجرد ملحق بالرجل. والرجال في الدول العربية هم أبناء تلك الثقافة التمييزية ضد النساء. ولذلك لا عجب أن تكون وجهات نظرهم تجاه المساواة بين الجنسين غير منصفة. هم يكوّنون وجهات نظرهم تبعًا لما ألفوه في بيئاتهم الصغرى (الأسرة) والكبرى (المجتمع). استمدّوا وجهات نظرهم تجاه أدوار النوع الاجتماعي وحقوقه من بيئاتهم المحرّضة على أن المساواة بين الجنسين "ليست من بيئتنا أو ثقافتنا (العربية)". كما كشفت دراسة استقصائية، بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واستندت إلى استطلاع في مصر ولبنان والمغرب وفلسطين، ونشرت الدراسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في 2017. اللافت أن "نصف عدد النساء (المشاركات في الاستطلاع) أو أكثر يدعمن الأفكار نفسها". وانطلاقًا من وجهات النظر تلك "يدعم ما بين ثلثي إلى أكثر من ثلاثة أرباع الرجال العرب مفهوم أن أهم دور للمرأة هو العناية بالأسرة". كما أن ثلاثة أرباع الرجال أو أكثر، والنساء بنفس النسبة، يدعمون/ ن "أولوية إتاحة الوظائف للرجال دون النساء". ووجدت الدراسة أن "الرجال الأكثر ثراء والأرقى تعليمًا، والذين تلقت أمهاتهم قدرًا أكبر من التعليم، والذين كان آباؤهم يقومون بمهام منزلية تعتبر نسائية من الناحية التقليدية، أكثر احتمالًا للتحلي بسلوكيات المساواة بين الجنسين".
يمكن القول أمام هذا الواقع إن النظرة غير المنصفة تتغذّى على الماضي في كثير من عناصرها، ولكن ثمّة ما يرفدها، ويعمل على تثبيتها عند الرجال والنساء على حد سواء في الحاضر والمستقبل، وهو ما يمكن ملاحظته في المناهج الدراسية للصفوف الأولى في المدارس العربية، التي تكرّس أدوارًا نمطية للمرأة، لا يمكنها الخروج منها، كما لا يمكن للرجل النظر من خارج تلك الإطارات؛ فمثلًا "أنا ألعب الكرة مع أبي، وأختي تساعد أمي في أعمال المنزل".
ويقولب هذا المثل الوجود النسائي برمته في أعمال المنزل، بعيدًا عن الأدوار التي يشغلها 
الرجال عادة. ويعدّ بثّ مثل هذه النظرات في المناهج التعليمية العربية نتيجة طبيعية لمقدماتٍ تعكس نظرة مؤلفي المناهج الدراسية الذين هم أبناء بيئاتٍ تُعلى الفروق بين الجنسين، وإلا كيف نفهم أن الإعلام أيضًا يأخذ من النساء وفق حاجته "فإذا أراد مثلاً أن يستعطف المشاهد يبرز المرأة في صورة الضحية، وإذا أراد الإثارة الغريزية يقدّمها في صورة غير لائقة".
تغيب الدول العربية عادة عن المراكز المتقدّمة، في تقرير الفجوة بين الجنسين. في تقرير (The Global Gender Gap Report)، الذي يرصد حال النساء في أكثر من 140 دولة، ليس هناك أي دولة عربية ضمن قائمة المئة الأولى. ويقيس التقرير الذي بدأ المنتدى الاقتصادي العالمي بإصداره سنويًا منذ عام 2006 الفجوة بين الجنسين، وفق أربعة مؤشّرات: المشاركة الاقتصادية، الحصول على التعليم، الرعاية الصحية، التمكين السياسي للنساء. وينقسم كل مؤشر إلى مؤشراتٍ فرعية؛ فالتعليم مثلًا يتضمن القراءة والكتابة والتسجيل في الابتدائي.
أعلى درجة في المؤشر هي 1.0 واحد فقط، وأدنى درجة هي 0.0 مثلًا في تقرير 2017 جاءت سورية في المرتبة 142، وبلغت علامتها الإجمالية 0.568. وكانت مؤشّراتها الفرعية على هذا النحو: حازت في مؤشر المشاركة الاقتصادية على 0.274 وعلى 0.956 في الحصول على التعليم، و0.980 في الرعاية الصحية و0.063 في مؤشر التمكين السياسي.

على الصعيد الدولي
على الرغم من التقدم الذي أحرزته عمليات المساواة بين الجنسين، منذ اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية "القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو) في 8 ديسمبر/ كانون الأول عام 1979، نجد أن نساءً كثيرات يتعرّضن للتمييز على أساس الجنس، ويتعرّضن للعنف والاضطهاد، ويحصلن على أجور أقل من الرجال. في القرن الواحد والعشرين، تفتقر 49 دولة إلى قوانين تحمي المرأة من العنف المنزلي، وتمنح قوانين 18 بلدًا الزوج حق منع زوجته من العمل. ومن مفرزات عدم المساواة بين الجنسين أيضًا تزويج نحو 750 مليون امرأة وفتاة، قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة، كما خضع ما لا يقل عن مائتي مليون امرأة وفتاة في 30 بلدًا لما يعرف بـ"ختان الإناث". وفي تقرير الفجوة بين الجنسين لعام 2017، حلّت آيسلندا، النرويج، فنلندا، راوندا، السويد، في المراتب الخمس الأولى على التوالي، تلَتهم نيكاراغوا، سلوفينيا، إيرلندا، نيوزيلندا، وجاءت الفيليبين في المرتبة العاشرة.
وسجلت دولٌ أوروبية كثيرة تراجعًا في مؤشرات المساواة بين الجنسين. تراجعت إيطاليا من المرتبة 77 في 2006 إلى 80 في 2012، وخلال الفترة نفسها، تراجعت اليابان من المرتبة 80 إلى 101، في حين تقدّمت الولايات المتحدة الأميركية من المرتبة 23 إلى 22. وكانت ألمانيا في المرتبة الخامسة، وتراجعت إلى المرتبة 13، في حين تقدمت نيكاراغوا من المرتبة 62 في 2006 إلى المرتبة التاسعة في 2012، وتراجعت بريطانيا من المرتبة التاسعة إلى المرتبة 18، وتقدمت فرنسا من المرتبة 70 إلى 57 خلال الفترة نفسها. أما آيسلندا التي تحتل المرتبة الأولى في تقرير 2017، فكانت في المرتبة الرابعة في 2006، ثم انتقلت إلى المركز الأول في 2012 وحافظت عليه حتى الآن، وذلك بحسب تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي.
وتحولت آيسلندا، الجمهورية الصغيرة، إلى "أرض المساواة بين الجنسين" من خلال إرثٍ في 
زراعة بذور المساواة، فقد كانت أول بلد انتخب في عام 1980 امرأة لرئاسته، ولاحقًا تم تدعيم هذا الإرث بحزمة قوانين تكرّس المساواة حالة اجتماعية في جميع تفاصيلها، بدءًا من إجازة "الأبوة" على غرار إجازة الأمومة، وانتهاء بالمساواة في الأجور والرواتب.
وتمكّنت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تجاوز عتبة الفجوة بنحو 40% خلال عام2017. وتنبأ تقرير لمؤسسة الأورو متوسط، في حال بقيت التوجهات الحالية على حالها، بردم الفجوة العالمية بين الجنسين في 106 دول خلال مائة عام. كما أن "التوسع المستمر للفجوة الاقتصادية بين الجنسين لن يتم إيقافه إلا بعد 217 سنة أخرى. ومع ذلك، يمكن تقليص الفجوة الجندرية الخاصة في مجال التعليم إلى مستوى التكافؤ في غضون السنوات الثلاث عشرة المقبلة. ويمثل البعد السياسي حاليًا أكبر فجوة بين الجنسين، إلا أنه في الوقت ذاته يسجل قدرًا من التقدم البطيء هذا العام. من الممكن ردم هذه الفجوة خلال 99 سنة".

برامج الدول العربية
تتشابه معظم حكومات الدول العربية في ردة الفعل البطيئة تجاه مخرجات عدم المساواة بين الجنسين. إذ بقيت الدول العربية متواضعة النشاط في تبنّي آليات ووضع أطر لهياكل إدارية، تقود عمليات التحول التدريجي إلى المساواة، على غرار المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين، والذي أنشأه الاتحاد الأوروبي في 2010 لمكافحة التمييز على أساس الجنس. ولم تواكب جامعة الدول العربية، بوصفها المظلة السياسية لتلك الدول، متطلبات التنمية الاجتماعية، عبر إحداث وحدة إدارية، بغض النظر عن ملاءتها الإدارية والمالية، تختص بتسريع المساواة بين الجنسين، واكتفت بالإبقاء على "قطاع الشؤون الاجتماعية - إدارة المرأة والأسرة والطفولة"، والتي تضع تحقيق هدف المساواة بين الجنسين في المرتبة قبل الأخيرة ضمن قائمة من سبعة أهداف.
تدعم هذه الخلاصة (ركود الدول العربية تجاه القضية) التراجعات في المساواة بين الجنسين، باستثناء تونس التي تقدمت من المرتبة 123 في عام 2014 إلى المرتبة 117 في 2017، اعتمادًا على مؤشّر مشاركة النساء في الحياة السياسية، فالنساء يمثلن 33.1% في البرلمان التونسي، مقابل المتوسط العالمي البالغ 20%. وباستثناء "طفرة" تونس هذه، ليس هناك من أملٍ في أن تطور الحكومات العربية استراتيجياتٍ من شأنها محاصرة المعضلة وتذويبها. ويكتشف المتابع لعمل الحكومات على هذه القضية أنها جزء من "بروباغندا"، تحاول الأنظمة العربية من خلالها التلطي وراء شعاراتٍ برّاقة، من دون أن تواكبها بخطوات ترسيخ، نظريًا على الأقل؛ فجميع الدول العربية لم تصادق على اتفاقية منظمة العمل الدولية الخاصة بحماية الأمومة التي أقرتها المنظمة عام 2000.
ينتج عن تلك المقدمات تراجع مشاركة النساء في سوق العمل، على الرغم من حيازة كثيرات مؤهلاتٍ علميةً تخولهن مزاولة أنشطة مختلفة، مُدرّة للدخل، خارج المنزل؛ فقد خلصت دراسةٌ أنجزتها عدة أطراف دولية، بينها منظمة العمل الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أن معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة العربية يبلغ 26%، وهو الأدنى في العالم، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 56%، في حين تصل نسبة مشاركة الرجال في القوى العاملة في المنطقة إلى 76%، وهو أعلى من المعدل العالمي البالغ 74%، بحسب منظمة العمل العربية.
ويفاقم خروج معظم النساء من الدورة الإنتاجية مشكلات اقتصادية وجتماعية كثيرة، كما يبطئ 
معدلات نمو من شأنها توليد فرص عمل جديدة. من شأن القضاء على عدم المساواة الاقتصادية بين الرجل والمرأة أن يُسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بما يتراوح بين 12-28 تريليون دولار بحلول عام 2025.
وتلحظ دراسة لصندوق النقد العربي أن نسبة التحاق الإناث في التعليم الابتدائي ارتفعت في الدول العربية من 72.2 في عام 2000 إلى 82.8 في 2014، وفي التعليم الثانوي من 47.8 إلى 60.5. وفي المرحلة الجامعية من 16.7 إلى 28.8. لكن مشاركة المرأة في قوة العمل لم ترتفع سوى إلى 18.9 في عام 2017 مقارنة بنسبة 17.4 في عام 2000، على الرغم من انخراط الإناث الواسع في عمليات التعليم خلال المراحل المختلفة.

معوقات المساواة
ويحول غياب الوعي بحقوق النساء دون إحداث تغييراتٍ حقيقيةٍ على هذا الصعيد. والوعي أساس التغيير، لكن الحكومات العربية لا تُقدم على صناعة هذا الوعي وتسويقه ضمن مجتمعاتها. وتقف جميع منصات تشكيل الوعي ونشره خاملةً تجاه المشكلة. لا مؤسسات فاعلة تُعنى بتضييق الفجوة بين الجنسين، وليس هناك مناهج دراسية ذات محتوى مُنصف، يساوي بين الجنسين، كما تغيب الحملات المستدامة لمكافحة التمييز ضد النساء في وسائل الإعلام الوطنية المختلفة. ولكن الوعي يحتاج بيئات حاضنة، تُوفر العوامل المساعدة على النمو، فالاستقرار السياسي والاقتصادي يمثل حوافز إضافية تسرّع الوصول إلى تحقيق المساواة بين الجنسين؛ لكن تبقى الإرادة السياسية الكلمة الفصل في ردم الفجوة، فبغيابها ستبقى جميع الآليات معطلة، وكم من دولةٍ تتراجع في مؤشر المساواة، وهي مستقرّة سياسيًا.
ولا تعني كفاءة الاقتصاد التي تتيح فرص تشغيل أكبر شيئا في حال غابت الإرادة السياسية، التي تعي، في أغلب الظن، أن النساء يقمن بدور حيوي في "النمو الفعال الشامل والضروري لإنهاء الفقر المدقع وبناء مجتمعات تتسم بالمرونة في مواجهة الصدمات، ولكن في أجزاء كثيرة في العالم، نجد أن إمكانات النساء ومشاركتهن وقدراتهن الإنتاجية تُقدَّر بأقل من قيمتها، ولا تُستغل على الوجه الأكمل"، بحسب البنك الدولي في تقرير له، عن المساواة بين الجنسين، نشره في سبتمبر/ أيلول 2018. وحقيقة الأمر أن نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة هي عند مستوى 49% مقابل 62% للرجال (بحسب الدراسة)، على ما يعنيه ذلك من فاقد ثروة يخسرها العالم، لأن النسبة الباقية من النساء (والرجال أيضًا) بعيدة عن المشاركة في النشاط الاقتصادي الذي يحوز على نسبة الربع من قيمة مؤشّر الفجوة بين الجنسين.

مستقبل ثقافة المساواة عربيًا
ويشير جدول ترتيب الدول العربية (باستثناء تونس)، في مؤشّر المساواة بين الجنسين، إلى تزايد اتساع الفجوة، ما يدفع المرء إلى الاعتقاد أن تقدّم الدول العربية في هذا المضمار، إن حصل، سيكون بطيئًا جدًا. وتحتاج العملية إلى عقود طويلة، لتتحوّل إلى قيمة اجتماعية بين الناس. كما أن تنفيذ سلسلة الوصول إلى النظرة المنصفة للرجال تجاه النساء يحتاج استثماراتٍ وموازنات، في وقتٍ تخصّص فيه معظم الدول العربية جزءًا يسيرًا للتعليم، لا يتجاوز 4.3% من ناتجها المحلي الإجمالي (بحسب البنك الدولي).
ويزيد من سوء أوضاع المجتمعات العربية، بإناثها وذكورها، الفساد المستشري في معظم الدول العربية، ذلك أن غياب الحكم الرشيد والديمقراطية يبقي المجتمعات العربية مُعَطلة على صعيدي الرجال الذين سيحافظون (ضمن تلك المناخات) على نظرة غير منصفة للنساء، والنساء اللواتي يتم إبقاؤهن بعيداتٍ عن دوائر المشاركة، يطيلان أمد نهوض المجتمع؛ فخمول النساء في جميع القطاعات يعني خمول نصف المجتمع، على ما يعنيه ذلك من فقرٍ مستدام.
تشكل النساء 52% من سكان الشرق الأوسط، وهذا جزء كبير من الاقتصاد. بالتالي، تُقوّض إمكانات نصف الاقتصاد أو على الأقل يُستخفّ بها. أعتقد لو سألنا أي رجل أعمال هل تعلم أنّك تستهين بـ 50% من القدرات المتاحة أمام عينيك؟ لتدارك الأمر وأراد أن يغيّر هذا الواقع من أجل زيادة إيراداته. وينطبق الأمر نفسُه على الحكومات. وكما جاء في دراسة لمعهد بروكنجز "اقتصاد ضعيف.. المساواة بين الجنسين هي الحل"، لا بد أن تدرك الحكومات أن نصف المجتمع غير مستغلّ. يمكن أن تحقق الحكومات ازدهارًا ملحوظًا لو أنها بذلت مزيدا من الجهود، لكي تؤمّن للنساء فرصاً متعادلة لأن يشكّلن جزءًا من الاقتصاد".
0191A03B-97B1-407F-A740-E610DF3C4715
0191A03B-97B1-407F-A740-E610DF3C4715
مرشد النايف

صحفي سوري درس الصحافة في جامعة دمشق

مرشد النايف