"البوكر" في القدس

"البوكر" في القدس

12 فبراير 2019

روايات القائمة القصيرة في "البوكر" العربية

+ الخط -
كان متوقعا ألا تستجيب سلطات الاحتلال الإسرائيلية لطلب مؤسّسة متحف محمود درويش في رام الله إصدار تصريحيْ دخول اثنيْن من الأعضاء العرب (أربعة وخامستُهم كاتبةٌ صينية) في لجنة التحكيم للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) فلسطين، للمشاركة، الأسبوع الماضي، في إعلان الروايات الست في القائمة القصيرة للجائزة في القدس (المحتلة بداهةً، والشرقية طبعا)، وفي فعاليتين ثقافيتين أُخريين في بيت لحم ورام الله. وكان طبيعيا جدا ألا يسلك المحكّمون الأربعة الصيغة التي تُريدها إسرائيل لعبورهم إلى الضفة الغربية والقدس، وهي تقدّمهم بطلب تأشيرات دخول من إحدى سفارات دولة الاحتلال. وجاء في محلّه ما سمّته عضو لجنة التحكيم، السعودية فوزية أبو خالد، "بيانا شخصيا" أشهرتْه في أثناء مشاركتها من عمّان، بتقنية "فيديو سكايب"، مع زملائها (باستثناء الصينية التي شاركت في الفعاليات في فلسطين)، وأوضحت فيه أن "إعلان القائمة القصيرة من مقر المسرح الوطني الفلسطيني بالقدس لا يعني لي شخصيا بأي حال من الأحوال، ولا لجنة المحكّمين بالطبع، القبول، ولا قيد أنملة، بتطبيعٍ مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين، بل هو إعلان رمزي لتعزيز الحضور الثقافي الفلسطيني ونضالاته، في عمل ثقافي عربي،..". وقالت أبو خالد إنها أجّلت حلم زيارة القدس إلى حين تحرّر كامل التراب الفلسطيني. وقد لاقى هذا البيان الذي تم الاستماع إليه، في أثناء إعلان القائمة القصيرة، استحسان أعضاء لجنة التحكيم ورئيس مجلس أمناء الجائزة، ياسر سليمان، وحضور الفعالية في المسرح، ومتابعيها في وسائل التواصل الاجتماعي.
سلوك دولة الاحتلال متّسقٌ تماما مع سياساتها التعسّفية ضد أي اتصالٍ ثقافيٍّ عربي مع فلسطين وأهلها، وخصوصا مع القدس التي ترفض اعتبارها شرقيةً وغربيةً، وقد دلّت عليه، قبل موقعة "البوكر"، عراقيلُها التي لا تعدّ للتنغيص على كل نشاطٍ فلسطينيٍّ ثقافي يُدعى إليه كتّابٌ عرب، مثل عدم إصدارها أي تصريح دخولٍ لأيّ من المدعوين منهم إلى معرض فلسطين الدولي للكتاب في مايو/ أيار الماضي. ولا تُنسى الحرب الشرسة التي واجهت بها إسرائيل فعالياتِ "القدس عاصمة الثقافة العربية" في العام 2009، عندما منعت، بالقوة والمداهمات والاعتقالات، أنشطةً كان مقرّرا انتظامُها في القدس (المحتلة بداهةً، الشرقية طبعا)، في انطلاقة فعاليات ذلك العام، فتمّت الاحتفاليات والأنشطة العديدة، بمشاركاتٍ عربيةٍ رسميةٍ وأهلية، في الضفة الغربية وقطاع غزة (منع الاحتلال إقامة أنشطةٍ في الناصرة). ومعلومٌ أن قرار تعيين 2009 عام "القدس عاصمة للثقافة العربية" اتّخذه وزراء الثقافة العرب في اجتماعهم في مسقط في العام 2006، تلبيةً لطلب وزير الثقافة الفلسطيني، عطا الله أبو السبح، في الحكومة التي ترأسّها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حاليا، إسماعيل هنية.
خلا بيان جائزة البوكر للرواية العربية (البريطانية أصلا، والإماراتية التمويل) الخاص بإعلان أسماء الروايات الست من أي تفاصيل بشأن عُسف سلطات الاحتلال، واكتفى بإيضاح أن رئيس لجنة التحكيم وثلاثةً من أعضائها شاركوا في المؤتمر الصحافي في المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) من عمّان، عبر "الفيديو سكايب"، وبأن اختيار إعلان الروايات من القدس (المحتلة بداهةً، والشرقية طبعا) إنما هو في إطار النهج السنوي الذي اعتمدته الجائزة باختيار مركزٍ يعبّر عن المشهد الثقافي العربي كل عام، لتُعلن منه قائمتها القصيرة. وقد أكّد هذا الأمر رئيسُ مجلس الأمناء، ياسر سليمان، مشدّدا على النظر إلى القدس باعتبار أنها كانت ولا تزال من حواضر الثقافة العربية، وأن من المهم حضورُها على خريطة جائزة البوكر. وربما كان جيّدا من سليمان وبيان الجائزة تركيزُهما على هذا الأمر، من دون إحالةٍ إلى بطولاتٍ مدّعاةٍ بسبب منع المحتلّين قدوم محكّمين عرب إلى فلسطين، ومن دون الانشغال بأي جدالٍ يُبعد "البوكر" عن مضمونها جائزةً مقدّرةً للرواية العربية. والأرجح أن بهجة أوساطٍ عريضةٍ من القرّاء والمثقفين الفلسطينيين في القدس (...) وبيت لحم ورام الله بالفعاليات الثلاث بينهم إنما تعود إلى التفاتةِ الجائزة إليهم، وتطبيعِها معهم، فأنهم تحت الاحتلال لا يعني قطع المثقفين العرب الصلةَ بهم... هذا التطبيع تُحاربُه إسرائيل، ولا غضاضة في جدالٍ عربيٍّ راقٍ بشأنه.

دلالات

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.