"قيصر" ومصير غائم للنظام السوري

"قيصر" ومصير غائم للنظام السوري

29 ديسمبر 2019
+ الخط -
عملت مجموعات سياسية سورية معارضة في الولايات المتحدة بجهد، سنوات، حتى استطاعت أن تحصل على قانون أميركي يقوم على مبدأ عقاب النظام، لحماية المدنيين السوريين، فتم تبنّي "قانون سيزر" (قيصر) تحت مظلة ميزانية الدفاع الوطنية، تطبّق بموجبه الحكومة الأميركية عقوباتٍ ذات طيف واسع وشديد على كل من يتعاون مع الحكومة السورية، مع التركيز على البنك المركزي السوري، بوصفه جهة تغسل أموال شخصيات النظام، وهو الجهة الرئيسية المموّلة لقوات الأسد. لا يتبنّى القانون أي عمل عسكري، ويؤكد في متنه على ذلك، ولكنه إجراء قانوني عقابي، يهدف إلى إضعاف الحكومة السورية إلى أقصى حد، تمهيداً لإزالتها. من أهم الخطوط الموضوعة للقانون مدته المحدودة بخمس سنوات، وارتهانه بإرادة الرئيس الأميركي المخوّل برفعه جزئياً أو كلياً، فيما لو لاحظ تحسّنا في أداء الحكومة السورية بما يخص الهجوم على المدنيين. تعترف أميركا، بموجب هذا القانون، بانتهاكات النظام الواسعة ضد المدنيين السوريين، وتقرّر أنهم بحاجة إلى الحماية، ليست حماية عسكرية مباشرة ضد القوات النظامية، وإنما بتطبيق عقوبةٍ شاملةٍ عليها، يُتوقَّع، فيما إذا نُفذَّت بدقة وصرامة أن تخلخل حكومة الأسد من خلال محاصرة الدول التي تقدّم له الدعم، فالقانون يشدّد على أن العقوبات ستطاول كل من يدعم هذه الحكومة، وتقصد بالطبع إيران وروسيا.
صوَّت على القانون مجلسا النواب والشيوخ الأميركيان، وقبل ساعات من توقيع الرئيس الأميركي عليه، استخدمت كل من الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، ضد قضية إنسانية سورية، حيث رفضتا تقديم مساعداتٍ إنسانيةٍ لسورية، عبر منافذ لا تسيطر عليها الحكومة، فتعطّل إرسال مساعداتٍ يعتمد عليها ملايين السوريين.
غير معروفٍ كيف سيتصرّف الرئيس الأميركي مع دعم روسيا والصين النظام، وهما تقعان تحت طائلة قانون سيزر بشكل واضح، فلدى الرئيس ترامب مع الصين عراكٌ اقتصاديٌّ عريض، ولديه جدل مع روسيا بشأن قضايا كثيرة، وهناك عقوبات مطبقة بالفعل على هاتين الدولتين، لمواقف لا تتعلق بالمسألة السورية، وعلى ترامب الآن أن يتحرّك لينفذ ما يفرضه "قانون سيزر" من حمايةٍ للمدنيين.
على الطرف الآخر، شنت قوات النظام، بمساعدة كاملةٍ ودعم واسع من كل من إيران وروسيا، قبل أيام هجوماً على مدينة إدلب، بدءا من ريفها الشرقي، وتقدّمت إلى بضعة مواقع كانت تسيطر عليها المعارضة، مع استمرارها في قصفٍ جويٍّ مكثفٍ على القرى والبلدات والمدن الواقعة على مسار الهجوم، أوقعت هذه الحملة العسكرية ضحايا ومهجّرين كثيرين، وهنا أيضاً نجد لقانون سيزر تحديا واسعا، فالمدنيون حياتهم منتهكة، وبمساعدة واضحة من أطرافٍ معروفة للجميع، من دون أن يتمكن أحد من لجم هذه الجرائم.
تلجأ الولايات المتحدة إلى أسلوب العقوبات، عندما لا تكون لديها رغبة في تحريك القوات المسلحة، وتريد الاستثمار في الوقت، أو عندما ترغب في إيجاد فرصٍ مناسبةٍ أكثر، وقد استعملت، في السابق، هذا السلاح في أمكنةٍ عديدة في العراق وإيران وكوريا وروسيا، واليوم في سورية. ومؤكّد أن تطبيق هذا القانون سيحاصر النظام، ويشدد الخناق عليه أكثر من السابق، ويمكن أن يتأثر النظام في إيران أيضاً، فضلاً عن روسيا، ولكن لدى هذه الأنظمة بالذات خبرة خاصة في التعامل مع العقوبات، وقد قابلت روسيا والصين تحدّي توقيع هذا القانون بـ"فيتو" رفعتاه في مجلس الأمن، وبهجوم ضارٍ شنّته قوات روسيا مع النظام على مدينة إدلب. خلال عشر سنوات من الحرب، تضاعف سعر الدولار عشرين مرّة، ويمكن أن يتضاعف عشرين مرّة أخرى في السنوات الخمس المقبلة، وهذا يضاعف أزمة النظام في تمويل مليشياته، ويزيد من عبئه على الدول الداعمة له، ويؤكد لمؤيدي الأسد أن استمرار وجوده يحافظ على تزايد الكوارث في البلاد.