أشباح الحرب الأهلية

أشباح الحرب الأهلية

01 ديسمبر 2019

في اعتصام عين الرمانة والشياح ببيروت (27/11/2019/ العربي الجديد)

+ الخط -
شهد لبنان، في الفترة الأخيرة، صوراً تعيد إلى الأذهان محطات من الحرب الأهلية اللبنانية، وغيرها من حروبٍ مر بها البلد خلال العقود السابقة. مشاهد يبدو أن المتحكّمين في الدولة يتقصّدون إبرازها إلى العلن، والإضاءة عليها، لشيطنة الحراك الاحتجاجي، والإشارة إلى أنه يقود البلاد إلى الانهيار، وهي عبارةٌ استخدمها وزير الخارجية، زعيم التيار الوطني الحر، جبران باسيل، لتوصيف الوضع في لبنان. قد لا يكون باسيل حمّل المتظاهرين بشكل مباشر مسؤولية ما وصلت إليه الأمور، غير أنه لم يحمّل غيرهم في الوقت نفسه، ما يعني أن المتغير الجديد، ألا وهو الحراك الاحتجاجي، أصبح المسؤول ضمناً. 
خطاب باسيل وغيره موجّه إلى لبنانيين كثيرين لا يزالون في المنطقة الرمادية، ما بين دعم الحراك أو الانقلاب عليه. هؤلاء في العادة ليسوا من المنتسبين إلى الأحزاب، قد يكونون من المتعاطفين الذين يعيشون على أطراف طوائفهم. يدرك هؤلاء أن النظام فاسد، وكل الطبقة الحاكمة بحاجة إلى تبديل، بالتالي يكون موقفهم الطبيعي إلى جانب المتظاهرين، ويدعمون توجهاتهم، غير أن هناك كلمة سر تمنعهم من ذلك، وهي "الاستقرار". الكلمة نفسها التي لعب عليها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ليضمن صمت فئة كبيرة من المصريين، ويشتري بقاءهم على أرائكهم يتابعون الإدارة الكارثية للبلاد.
وإذا كان السيسي سلّط إعلامه لتخويف المصريين من الفلتان الأمني في بلدهم، فإن السلطة في لبنان وأحزابها لجأت إلى ما هو أكبر، عبر استحضار كل مشاهد الحروب التي عاشها لبنان، وما نتج عنها من تداعيات على الواقع المعيشي للمواطنين. كانت البداية عبر التركيز على إثارة النعرات الطائفية، ومحاولة أخذ الحركة الاحتجاجية إلى المربع الذي تحب السلطة والأحزاب اللعب فيه، فكانت "غزوة رياض الصلح" التي قام بها مناصرون للثنائي حزب الله وحركة أمل، وهتافات "شيعة شيعة شيعة"، وتحطيم خيم المعتصمين وحرقها. استهدف الاعتداء إعادة التركيز على النعرات المذهبية بين المسلمين في البلد، غير أن هذا لم يكن كافياً لإخافة الأطراف من باقي الطوائف، فكانت الأحداث في عين الرمانة، والتي لها رمزية كبيرة في ما يخص الحرب الأهلية اللبنانية، حيث انطلقت منها شرارة هذه الحرب في عام 1975. وكانت المنطقة بمثابة خط تماسّ فاصل بين المسلمين والمسيحيين، وهي لا تزال كذلك إلى حد كبير، على الرغم من التغيرات الديمغرافية التي شهدتها منذ نهاية الحرب في عام 1990.
وإذا كانت هذه المشاهد ليست كافية، فإن من شأن صور الطوابير أمام محطات الوقود، وشحّ السيولة من المصارف، أن تقنع الرماديين بالانقلاب على الثورة والحراك الاحتجاجي، بحسب ما تظن السلطة، ولا سيما بعد الإشكالات الأمنية التي ترافقت مع هذه المشاهد، ووصلت إلى حدود إطلاق النار.
في هذه الأثناء، وبالتوازي مع استدعاء مشاهد الحرب الأهلية في الشارع، تمارس السلطة نفسها السياسة حالياً وفق معايير ما بعد الحرب الأهلية، وتحديداً زمن الوصاية السورية، فالكلام الكثير عن تشكيل حكومة جديدة لا يسير وفق المعتاد في الحكومات السابقة، فلا استشارات نيابية ولا تسمية لرئيس حكومة جديد، بل على العكس، ما يحدث هو تقاسم الحصص والاتفاق المسبق على الأسماء، من رئيس الحكومة حتى الوزراء، قبل خروجها إلى العلن، وهو ما يذكّر بما كان يحصل في زمن رستم غزالة وغازي كنعان، وهما ضابطا الارتباط السوريان اللذان كانا مسؤولَين عن الوصاية السورية. ولكن الوصاية اليوم ليست لسورية بشكل مباشر، بل لحلفائها في لبنان، وفي مقدمتهم حزب الله.
كل هذه المشاهد إلى اليوم لا يبدو أنها وسيلة ناجعة لاحتواء الحراك أو شيطنته، بل ربما أدت إلى عكس ذلك، لجهة تأكيد أن هذه السلطة الفاسدة لا يمكن لها أن تحكم بلداً، ولا حتى مزرعة.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".