احترم دمَ الشهداء يا هذا

احترم دمَ الشهداء يا هذا

03 نوفمبر 2019
+ الخط -
"احْتَرِمْ دمَ الشهداء على الأقل". هذا ما خاطبني به رجلٌ ما، معلقاً على إحدى مقالاتي. لا داعيَ لأن أذكر اسم المقالة، لأن الرجل الذي يحمل اسماً مستعاراً لم يكتب هذا الكلام، لأنه ضبطني متلبساً بقلة احترام دماء الشهداء، ولكنه استخدم واحدةً من الجمل التي يتوجه بها أشخاصٌ لا على التعيين إلى كُتَّاب الرأي، عندما تُنْشَرُ كتاباتُهم على صفحات التواصل الاجتماعي. يكتبون العبارات نفسها مهما يكن موضوع المقالة. وللعلم فإن "احْتَرِمْ دمَ الشهداء" هي العبارة الأقل طرافة في ما يصادفُك من تعليقات. فأنت تكتب رأيك في اسم دولتك "الجمهورية العربية السورية"، مثلاً، وتتساءل لماذا يصرّ مثقفون معارضون أو ثائرون على التسمية ذاتها التي يعتمدها حزب البعث والنظام الفاشستي؟ فيكتبُ لك أحد المعلقين: عيب عليك يا فلان، أأنت لا تخجل من ماضيك؟ أو تكتب مشيراً إلى التناقض بين تصريحات أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، المتعلقة بتحرير القدس عبر المساهمة في قتل السوريين واللبنانيين والفلسطينيين، واتجار حزبه بالحشيش، فينبري لك أحدُهم بتعليق يقول فيه: استحِ على شيبتك، يا فلان، يا مَنْ تصادقُ فتاةً في عُمْرِ بناتك. وأما إذا كتبتَ كلمة تضامن مع أحد مكونات الشعب السوري المتناحرة فلا بد أن يأتيك تهديد عبر تعليق يقول: حسنٌ أنك صرحتَ بموقفك هذا حتى نضيفك إلى القائمة!.. إلخ. 
محسوبكم (أنا).. كنت في السابق أنزعج من هذه التعليقات التي يبدو أنها نازلة فوق المقالة بمظلةٍ مثل المظلات التي صنعها رفعت الأسد في أوائل الثمانينيات، ليقفز بها الشبيبيون فوق كلية الطب، وكنت أفكر في الرد على كاتبها سائلاً إياه: ماذا تعرف عن ماضَيَّ؟ وهل ترى فيه ما يُخجل؟ بصراحة؟ لدى كل إنسان أشياء مشينة في ماضيه، وأنا من هؤلاء الناس، ولكن كاتب التعليق لا يعرفها، قطعاً، وإنما يستخدمها للتهديد فقط. وأحياناً أفكر بأن أُماحكه، فأقول إن من الطبيعي أن يصادق الرجلُ الشائبُ امرأة صغيرة بعض الشيء، فإذا كان سيصادقُ واحدةً من جيل زوجته، ما الداعي لمصادقتها أصلاً؟ وأما الإضافة إلى "القائمة"، فهذه سلسلة ابتدأت في سنة 2001 حينما تجرّأ محسوبُكم ووقع على بيان المجتمع المدني الذي ينتقد ديكتاتورية النظام.. وفي 30 أغسطس/ آب 2011 نزل الاسمُ في قائمة المطلوبين للأمن العسكري، بسبب المشاركة في الثورة، ودُوِّنَ في قائمة الأشخاص الممنوعين من السفر. ومؤكّد أن الفروع الأخرى حذت حذو الأمن العسكري وشَرَّفَتْه بضمّه إلى قوائمها، وفيما بعدُ تصدرَ هذا الاسمُ المسكين قوائمَ المطلوبين لتنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة، والجند، والأحرار، والتحرير، والطليعة.. وهذا ليس بطولة، بل ربما كان نوعاً من الغباء السياسي، والانفصال عن الواقع.
أنا، إذا توخّينا الدقة في القول، أحترمُ دماءَ الضحايا الذين ساقهم حافظ الأسد إلى الموت في حروبه على الأراضي السورية أو اللبنانية أو العراقية، والذين أرغمهم بشار على خوض المعارك ضد مواطنيهم، والذين جنّدتهم دول وعصابات للدفاع عن مصالح المستبدين، والذين قُتلوا نصرة للأديان والقوميات والمذاهب، ولكنني، مع الأسف، لا أجرؤ على تسميتهم "شهداء".
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...