روح جمال خاشقجي تطاردكم

روح جمال خاشقجي تطاردكم

04 أكتوبر 2019
+ الخط -
عام مضى منذ أزهقت كتيبة إعدام روح الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، خلف جدران قنصلية بلاده، المكلفة برعاية مصالح مواطنيها وحمايتهم، لا بقتلهم. يومذاك ضُرب جمال على رأسه، وحُقن بمادة غيّبته عن الوعي، قبل تقطيع جثته بمنشار، ثم حرقها، ربما، لا أحد يدري، إذ يُصر القتلة على إخفاء مصير جثة المغدور حتى اللحظة. 
بعد عام على الجريمة البشعة والمقزّزة، وضبط القتلة الفعليين، متلبسين باقتراف جريمتهم، وبعد اعتراف ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بمسؤوليته الشخصية عن وقوع الجريمة، لا بوصفه من أمر بالقتل، ولكن "لأن الجريمة وقعت في عهده" كما قال في أحدث تصريحاته، ظلت الحلقة المفقودة في الفصل الأول من الجريمة بلا حل، أين جثة القتيل؟ هل نُقلت إلى مكان ما خارج تركيا، أم دفنت في إحدى غابات إسطنبول، أم أُذيبت بالأسيد، أو أنها صارت رماداً بعد حرقها في فرن نار في حديقة بيت القنصل، كما نقلت الصحافة التركية أخيرا عن أحد الشهود السريين في القضية. أسئلة ظلت بلا إجابات، على الرغم من مرور عام على توقيف السلطات السعودية متورطين في الجريمة، ومعرفة سلطات الرياض، في أعلى الهرم، بهوية فريق الإعدام الذي أشرف على تنفيذ جميع فصول الجريمة المروعة. عام مضى ولم تشأ السلطات السعودية، التي تحقق وتحاكم الجناة والمتورّطين، أو هكذا تزعم، الكشف عن مصير جثة المرحوم جمال خاشقجي، لا لشيء، إلا لأن هذا الأمر سيفتح فصلاً جديداً يكشف عن هول الجريمة، وبشاعة القتلة.
سؤالان يلحّان بعد العام الأول، ما الذي اقترفه هذا المواطن السعودي حتى يموت تلك الميتة البشعة؟ أي خطوط حمراء داسها حتى يُقتل ويُنكل بجثته بهذه البشاعة الغزيرة؟ لا تحتاج الإجابة إلى خبراء بحث جنائي، أو أطباء تشريح شرعي، فلا ذنب أتاه الرجل، ولا جريمة اقترفها سوى أنه أراد لنفسه ولشعبه حياة كريمة في ظل حكم رشيد، فالمواطن جمال خاشقجي، لم يكن معارضاً بل كان ناصحاً رشيداً، وناقداً راقياً. في غير مقام، وفي أكثر من زمان، كان يرفض تعريف نفسه معارضا، بل كان يرفض توصيفه بذلك، وكان يُصّر على أنه يحاول نصيحة "ولي الأمر"، وإنْ من خارج بيت الطاعة. أو ربما أن جمال قتل بكل هذا الحقد لأنه كان يحلم بمستقبل عربي أفضل يزهر فيه الربيع العربي إلى آخره.
قبل عام، حاولت كتيبة التصفية خنق خاشقجي خلف أبواب مغلقة، ولكن دم الضحية انتصر على سيف القاتل، وعلت صرخات جمال فوق موسيقى حفلة القتل السادي، ودشّن تغييبه عن الوعي وعياً لا يُحرق. يومذاك، ظن قتلة جمال أنهم سيرتاحون بعد قتله وحرق جثته، ولم يعلموا أن دم الشهيد سيكون الشاهد على إجرامهم، وستطاردهم روحه لتفضح بشاعة فعلتهم. اعتقد من أمر بالقتل، ومن نفذ الجريمة، أن قتل جمال سيكتم صوته إلى الأبد، ولم يكن يعلم أن صوته سيصدح أصواتاً تطالب بالحرية والعدالة.. أراد القتلة خنق صوت جمال خاشقجي، فخرجت من حنجرته أصوات، ونبتت من بين جوانح صدره حقولٌ من الرافضين لولي أمر عمَّد مجد عهده بحد السيف. ظن القتلة أنهم سيرتاحون بعد القضاء على جمال، فما زادتهم جريمة القتل إلا تعباً. مات لتحيا بلاده وإنْ حرمته الحياة فيها، أو لم يكن له فيها حتى قبر. فكان له ما أراد. كتب موت جمال حيواتٍ لمن شرعوا بهدم جدران الصمت الثقيل، فكان في غيابه حياة لهم، وفي أصواتهم حياة جديدة له.
من غير المنتظر أن تنصف العدالة السعودية الضحية بالقصاص من الجناة الحقيقيين الذين أمروا بالقتل، وإلى أن تتحقق العدالة السماوية ويستوي ميزان الحق، سيظل حق الضحية ودمه دينا في أعناق من ساروا على خطى كلماتٍ قالها جمال ومشى.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.