الكويت الراقية بأخلاق أهلها

الكويت الراقية بأخلاق أهلها

18 أكتوبر 2019
+ الخط -
ثلاثة مواقف مشرّفة سُجّلت لدولة الكويت في الأيام القليلة الماضية، ومثل هذه المواقف للكويت كثيرة، ولا تكاد تُحصر في هذا الزمن العربي المتوتر، والمشحون، والغارق في الأنانية والنرجسية. أول هذه المواقف كانت للدبلوماسية الكويتية، ممثلة بسفير الكويت في الأردن، عزيز الديحاني، الذي تعالى على غوغائية جمهور "لا رياضي"، مؤكّداً على متانة العلاقات بين الكويت والأردن ورسوخها، مشدّدا على أنها أكبر بكثير من أن تنال منها هتافاتٌ غير مسؤولة. واعتبر الديحاني ما صدر عن ثلة ممن كانوا على مدرجات الملعب في أثناء مباراة الكويت والأردن ضمن التصفيات الآسيوية التأهيلية لكأسي العالم وآسيا، على إستاد عمان الدولي، الخميس ما قبل الماضي محاولاتٍ "رخيصة" للمساس بالعلاقات المتميزة بين البلدين. بمسؤولية دبلوماسية راقية، وروح رياضية عالية، تعالى السفير عن تُرّهاتٍ لا تعبر عن الأردن، وأكّد أنه يُكبر الإنسان الأردني المثابر والمتفاني. ولم ينس السفير، بكرم أخلاقه، التذكير بما يقدمه الأردنيون المقيمون في الكويت من مساهمات في نهضة الكويت. 
الموقف المُشرّف الثاني، كان للقضاء الكويتي، عندما أمر النائب العام المستشار ضرار العسعوسي بحفظ الشكوى المرفوعة ضد كتاب "النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت"، للدكتور شفيق الغبرا. وفي معرض شرحها حيثيات قرارها في الكتاب الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أكدت النيابة أن قرارها جاء من باب الترفّع والملاءمة، وإعمالاً لقيم المجتمع الكويتي ومبادئه، ورفعةً لمبدأ حرية الرأي، وتشجيعاً للبحث العلمي. ولم تسجل النيابة العامة، في قرارها هذا، موقفا أو سابقةً على مستوى القضية محل النظر، أو داخل حدود السلطة القضائية الكويتية وحسب، بل سجّلت انتصارا تاريخيا لحرية الرأي والتعبير، حين نص القرار بوضوح على أن "لكل فرد في المجتمع حق التعبير عن رأيه، ونشره بالقول والكتابة أو غيرها من الوسائل المشروعة، دون حاجة إلى تحديد موضوع ذلك الرأي أو قصره على أمر دون أمر، فالرأي والتفكير والإبداع صفات للعقل المستنير". بهذه الروح المسؤولة، المتحرّرة من كل أنانية مريضة، أو شوفينية عمياء ارتقت العدالة الكويتية.
ويُسجل الموقف المشرف الثالث لكوكبة من أكاديميين ومثقفين كويتيين شاركوا في حلقة الأسبوع الماضي من برنامج "المشّاء" الذي بثته قناة الجزيرة، بعنوان "مواسم الهجرة إلى الكويت". قدم المشاركون شهادات شكر للكفاءات العربية التي ساهمت في نهضة الحياة الثقافية والأكاديمية والإعلامية في الكويت. أشادت الأكاديمية نورية الرومي بما قدم الأساتذة من فلسطين والأردن وسورية.. وغيرها في تشكيل وعي الطالب الكويتي، وفتح آفاقه على العالمية بتفكير نقدي مستقل. وذكّرتنا أستاذة الفلسفة بجامعة الكويت بقصيدة للشاعر الكويتي فهد العسكر (1951-1917) حيا فيها البعثة التعليمية الفلسطينية التي قدمت إلى الكويت عام 1936، مُعبرا عن فرحته بهذه البعثة، ومبينًا أهمية المعلم ودوره في بناء الإنسان العربي، قائلا: "زهت المدارسً وانثنى طلابها لقدومكم يتبادلون تهاني". ولم يفت رئيس تحرير مجلة العربي سابقا، سليمان العسكري، الإشادة بدور الكفاءات العربية في وضع اللبنات الأولى للحركة المسرحية والفنية في الكويت. بهذه الروح الشاكرة والممنونة، يرتقي أكاديميو الكويت ومثقفوها ممتنّين لعرب هاجروا إلى الكويت، ليساهموا في نهضتها العلمية والثقافية والاقتصادية.
ولا يمكن أن يكتمل الحديث عن مواقف الكويت في هذا الزمن العربي الصعب، من دون الإشادة أيضاً بالمواقف الشجاعة لرئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق الغانم، والذي لا يترك مناسبة أو محفلاً يحضرها ويشارك فيها إلا ويكون مدافعا بقوة عن الحقوق الفلسطينية، ورافضاً صلباً لكل محاولات التطبيع مع المحتل الإسرائيلي.
بمثل هذه المواقف، تتعالى الكويت، وتسمو على جراحٍ أصابتها من بعض الأشقاء العرب. وبهذه الروح، تحضر الكويت شقيقة كبرى تسعى إلى لم شمل البيت الخليجي، وترميم البيت العربي. من لا يشكر الناس، لا يشكر الله، فشكراً للكويت التي ارتقت بأخلاق أهلها، فاستحقّت كل التقدير.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.