عن دافوس وميونخ

عن دافوس وميونخ

23 يناير 2019

حارس وشعار المنتدى في دافوس السويسرية (21/1/2019/فرانس برس)

+ الخط -
مع مطلع كل عام، تجتمع نخب العالم وقياداته في مناسبتين مهمتين، للتباحث في شؤون دولهم ومجتمعاتهم، والتحديات الكبرى التي تواجههم. تُعقد الأولى في يناير/ كانون الثاني في منتجع دافوس في جبال الألب (سويسرا)، والثانية في فبراير/ شباط في ميونخ عاصمة بافاريا (ألمانيا). يستقطب المنتدى الأول الذي تأسس عام 1971 مجتمع المال والأعمال والشركات الكبرى في العالم إلى جانب رؤساء دول وحكومات، للتباحث في شؤون الاقتصاد العالمي ومستجدّاته واتجاهاته المستقبلية. وحتى وقتٍ قريب، كان الحضور الغربي طاغياً في هذا المنتدى، لكن السنوات الأخيرة بدأت تشهد اهتماما أكبر باقتصادات آسيا الصاعدة. في العام 2017 تركزت أضواء دافوس على الرئيس الصيني، شي جين بينغ، والذي تستعد بلاده للتحول إلى أكبر اقتصاد في العالم خلال عقد. وقد لفت الانتباه حينها دفاع الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني عن مبدأ حرية التجارة، وهو مبدأ رأسمالي المنشأ، في وقتٍ كانت فيه إدارة الرئيس الأميركي، ترامب، تتجه نحو تبنّي سياسات حمائية. أما العام الماضي فقد حل رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، ضيفاً رئيساً على المنتدى، في وقتٍ تجاوزت بلاده كلا من بريطانيا وفرنسا، وحلت في المرتبة الخامسة في العالم لجهة حجم اقتصادها. وتسيطر قضايا التجارة والطاقة والبيئة والتغير المناخي والذكاء الصناعي والنمو الاقتصادي على مداولات المنتدى هذا الأسبوع. 
يستقطب المنتدى الثاني (ميونخ) الذي تأسس عام 1963، بهدف منع تكرار مآسي الحرب العالمية الثانية، النخب الأمنية والعسكرية والسياسية في العالم، لمناقشة أبرز التحديات في هذه المجالات، وقد حمل مؤتمر العام 2017 عنوانًا لافتاً "ما بعد الحقيقة، ما بعد الغرب، ما بعد النظام"، ليعكس مخاوف القائمين على المؤتمر من صعود الشعبوية، وتداعي نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأفول مركزية الغرب في النظام الدولي. وفيما لا يثير "دافوس" اهتماما يذكر لدى الروس، نظراً لمكانة بلادهم المتأخرة في هذا المجال، وتراجعها اقتصادياً، حيث يتوقع أن تنحدر من المرتبة 12 حالياً إلى المرتبة 17 خلال أقل من عقد، يعد ميونخ المقصد المفضل للرئيس الروسي بوتين، وهو يكاد لا يفوّت حضوره منذ عام 2007، ويغتنم هذه المناسبة لإطلاق رسائله في كل الاتجاهات، عن استراتيجياته الأمنية والعسكرية، وعن امتعاضه من نظام القطب الواحد. وهي مناسبة أيضاً لعرض عضلاته أمام الأوروبيين وإشعارهم بثقل الحضور الروسي على حدودهم الشرقية، لكن بوتين غاب في المرتين الأخيرتين.
وتعد النكسات الأمنية والعسكرية التي تعرّضت لها روسيا في سورية أبرز أسباب غياب بوتين عن منصة ميونخ العام الماضي، إذ تلقى الوجود العسكري الروسي في سورية خلال الأسابيع الأولى من العام 2018 جملةً من الضربات، أبرزها "مجزرة" المتعاقدين الروس (المرتزقة)، قرب دير الزور، حيث دمرت طائرات أميركية وحدات كاملة مما يسمّى "جيش فاغنر" الذي يقاتل خارج المظلة الرسمية الروسية.
ومنذ خطابه الشهير في ميونخ عام 2007، حيث رسم خطوطا حمرا للغرب بشأن مصالح روسيا ومتطلبات أمنها القومي، والرئيس بوتين يستقطب اهتمام جمهور المنتدى، ربما سيفعل هذا العام أيضا إذا قرّر حضور المؤتمر في فبراير/ شباط المقبل، في ضوء احتدام المواجهة الإيرانية - الإسرائيلية في سورية، وتنامي مخاوف أوروبا من السياسات الروسية، وتزايد التنافس الدولي بشأن الطاقة وخطوط إمدادها، علما أن هذا الموضوع كان على رأس جدول أعمال منتدى العام الماضي الذي حمل عنوان "نحو الحافة – والعودة عنها".
في دافوس كما في ميونخ، يتوقع أن تسيطر أجواء قاتمة على القراءات السياسية والاقتصادية للوضع العالمي، فهناك مؤشراتٌ على أزمةٍ اقتصاديةٍ عالميةٍ كبرى تذرّ بقرنها. أما أمنيا وعسكريا، فالكل يستعد، وكأن حربا كبرى على وشك أن تندلع. وما يزيد الأمور سوءا أن هذا يحصل في وقتٍ يعيش فيه الغرب أزمة قيادةٍ تعكسها الفوضى التي تسود الولايات المتحدة حاليا، وحالة عدم اليقين إزاء قضايا دولية كثيرة، من بريكست، ومستقبل الاتحاد الأوروبي، إلى صعود الشعبوية من اليمين واليسار، والتهديد الذي باتت تمثله للاستقرار العالمي.