هل المصالحة الفلسطينية مستحيلة؟

هل المصالحة الفلسطينية مستحيلة؟

19 يناير 2019
+ الخط -
وصلت المحاولات التصالحية بين حركتي فتح وحماس إلى طريق مسدود، وباعتراف المسؤولين من كلا الطرفين باستحالة المصالحة، وإغلاق الباب نهائياً أمام المحاولات الجادة لإنهاء الانقسام، والاتجاه إلى التمترس في خندق واحد بمواجهة الاحتلال الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما تسعى إليه إسرائيل وواشنطن بالضبط، وكأن أبناء فلسطين يطبقون "مبدأ نيكسون" من خلال سلوكهم على الأرض، ومفاده "فتنمة الحرب" لتحل محلها "فلسطنة الحرب" وإذكاء الفتنة بين القطاع والضفة والعمل على استحالة الوصول إلى أهداف مشتركة ومشروعة. 
تنصلت إسرائيل من كل الاستحقاقات الفلسطينية المشروعة، ونسفت مبدأ الدولتين، بالإجراءات التعسفية على الأرض والسماح للاستيطان بالتوغل بالأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. وتزامن ذلك مع وصول الرئيس الأكثر جدلاً في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، دونالد ترامب، والذي استغل الانقسام الحاد بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، واعترافه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ومنع المساعدات عن الفلسطينيين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، والعمل على تشجيع العالم على هذه الخطوة التي تعتبر بنظر الفلسطينيين، كارثة.
تأتي استحالة المصالحة من خلال اختلاف البرنامجين لكلا الحركتين، هذا من دون النظر إلى الدول الذي تدعم كل حركة على حدة. فحركة فتح تعتبر الحركة الأم للثورة الفلسطينية والملهم الروحي لحركة النضال الفلسطينية باعتبارها من أطلقت الرصاصة الأولى نحو العدو الصهيوني. وبالتالي، فإن التاريخ يحمي الحركة، ويعطيها الحق لقول كلمتها في مسيرة النضال، على الرغم من اعترافها بالعدو الصهيوني وتنسيقها الأمني، فالحركة تعتبر التفاوض مع الاحتلال أحد أركان النضال، وتطالب جميع الفصائل بما فيها حركة حماس للسير خلفها باعتبارها المهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية صاحبة الحق الشرعي.
حركة التحرر الإسلامية حماس عقائدية، راديكالية، مرفوضة دولياً، وتعتبر بنظر المجتمع الدولي "إرهابية"، على الرغم من فشل الولايات المتحدة بالتصويت الأخير إدراجها منظمة إرهابية. تتخذ هذه الحركة من قطاع غزة منطلقاً لتحرير باقي الأراضي الفلسطينية، إلا أن الحصار المفروض حال دون تحقيق هذه الأهداف، وهي على خلاف مع السلطة الفلسطينية على إدارة هذا القطاع، لأن حماس ترفض التخلي عن السلاح الثقيل ومنظومة الصواريخ وتسليم جميع المؤسسات للسلطة، لأن من شأن ذلك أن يعرضها للانتحار.
الفلسطيني حائر بين الحركتين، يتمنى رؤيتهما بخندق واحد في مواجهة إسرائيل وواشنطن ومشاريعهما التصفوية، لكن "حساب السرايا غير حساب القرايا". حركة فتح تمثل الفصيل العلماني الليبرالي، الذي يمثل الراعي الرسمي في كل العمليات التفاوضية، ولها سفارات وممثليات وقنصليات باسم السلطة التي تهيمن عليها من بابها إلى محرابها، أما "حماس" فتُعتبر في نظر المجتمع الدولي امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين التي تدعمها تركيا وبعض الدول العربية، وترى فيها الحل الجذري للقضية الفلسطينية، أي إرهابية، وعليها أن تمتثل للقرارات الدولية بالتخلي عن سلاحها الثقيل، وعن عقيدتها باعترافها بإسرائيل وحقها بالبقاء.
اليوم وبعد اليأس من المصالحة، يولد قطب جديد باسم "التجمع الديمقراطي"، للضغط على الحركتين من أجل إنهاء الانقسام والتفرغ لمقارعة الاحتلال الصهيوني وقرارات الولايات المتحدة المجحفة بحق الفلسطينيين. وفي محاولة لكسر حالة الاستقطاب الشديد بين الحركتين، ويضم التجمع شخصيات مستقلة ومجموعات حراكية إلى جانب خمسة أحزاب يسارية هي "الجبهة الشعبية" و"الجبهة الديمقراطية" و"المبادرة الوطنية" و"حزب الشعب" و"فدا".. والباب مفتوح للانضمام.
لا يمكن إنكار التضحيات الجسام للحركتين، وحاجة الفلسطيني لهما في مواجهة الاحتلال الصهيوني، إلا أن الواقع يقول غير ذلك، فحركة حماس تحتاج لمناخ دولي يرعى أفكارها ويدعمها، وهذا في وقتنا الحالي غير موجود، وبالتالي عليها عدم الهرولة باتجاه المؤسسات، لأنها ستصطدم بالاستحقاقات الدولية التي تعتبرها غير شرعية، أما ما يخص حركة فتح، فعليها تخفيف التصادم مع حماس، والبحث عن استراتيجية تحول دون استخدام السلاح بوجههما وتقدير الحالة التي عليها حماس، والمحافظة على سلاحها الاستراتيجي بوجه الاحتلال الصهيوني، والتركيز على تنفيذ القرارات الدولية التي تلجم العدوان الصهيوني ومحاولاته الحثيثة لتصفية القضية الفلسطينية، وغير ذلك نكون بحاجة لطرف ثالث يكون بمثابة الحل الجذري.
محمد عياش
محمد عياش
محمد عياش
كاتب وباحث سياسي فلسطيني، يؤمن بمقولة "من طلب الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه".
محمد عياش